السودان.. على من الرهان؟!
“المدارنت”..
تجاوز الزمن والواقع شديد السوء على الأرض مسألة تحميل طرف مسؤولية ما يجري في السودان وله. لم يعد مهماً الاستماع إلى تنصل هذا من مسببات الاقتتال أو تبعاته، أو تعلّل ذاك بأنه يريد السلام، لكن خصمه ماضٍ في الحرب.
الذي يجب أن ننصت له هو السوداني البريء من أي انتماء إلا إلى وطنه الذي يفرّ من نار إلى نار، والواقع بين شقّي رحى تطحن قيمة حياته وتعجزه حتى عن الصراخ. وإن يكن السوداني عاجزاً عن الصراخ، فيومياته أبلغ من كل قول، والعجز ليس مشكلته وحده، فالعالم كله يقاسمه في عدم القدرة على التصدي لكارثة تتنوع فصولها منذ ستة عشر شهراً وتحفل بعشرات من نماذج «أفعل التفضيل»، لكنه، لسوء الحظ، تفضيل مأساوي يمزق القلوب.
أكبر طعنة للمواطن السوداني، أن السيف المغروس في خاصرته من إخوة له في الوطن، بعيداً، مرة أخرى، عن إدانة طرف أو تبرئة آخر.
ما يعنينا النتائج التي تعاظمت منذ إبريل/ نيسان 2023، بفعل النسيان، بخاصة بعد انتقال الاهتمام إلى غزة، أو خيبة الأمل في عودة الأطراف المعنية إلى الرشد الوطني والسياسي وهي تشاهد مساحات النار تكبر وتخرج عن السيطرة.
لم يُفض الحوار إلى شيء، ولم تُجدِ الوساطات والمناشدات نفعاً، فأصبحنا أمام أزمة هي الأسوأ في جوانب شتى، رغم أن أيّ أرقام أو إحصاءات تبقى تقريبية، وقد تبعد كثيراً عن الواقع الحقيقي. أصبحنا أمام أكبر أزمة نزوح في العالم بعثرت الحياة الآمنة لأكثر من 13 مليون شخص، وصنعت من أكثر من مليونين منهم لاجئين في دول الجوار.
القتلى 20 ألفاً في إحصاء لمنظمة الصحة العالمية التي تتوقع أن الرقم أكثر بكثير منذ ذلك، والمصابون بلا حصر، بينما المستشفيات خارج الخدمة في وقت تتفشى فيه أوبئة الحرب، وتقسو الظروف المناخية أحياناً فتسهم الفيضانات في حصد الأرواح.
السوداني الآن ضحية ما يوصف بأكبر أزمة إنسانية في العالم، منسيّ في معظم أيامه، محروم مما يقدمه بعض محبيه من مساعدات، تكتفي المنظمات الدولية بالتحذير كل فترة من تفاقم معاناته وبزيارة بعض المناطق من دون أن تقنع أحداً في السودان أو العالم بالحل الوحيد «وقف المأساة».
السودان المرتبط في القلوب والعقول بالخصوبة والجود، مهدد بمجاعة تفتك بمن استطاع البقاء حياً لتضمه إلى قائمة ضحايا أكل الأخ أخاه، وقطع الطريق على الراغبين في المساعدة المجردة من الغرض، وفشل المجتمع الدولي وارتباك أولوياته ما يهوّن من كوارث ويهوّل من أخرى.
لا يعرف السوداني الأعزل على من يراهن بعد أن انسدت أمام حل أزمته كل السبل، فلا طرف في الحرب يبدو قريباً من وضع السلاح، ولا وسيط من الداخل أو الخارج قادر على تمرير صيغة تلجم الحرب وتداعياتها وتعيد رتق خريطة الوطن.