مقالات

السوريّون صوّتوا في تظاهراتهم.. فلماذا يصرّ النظام على لعبة الصناديق السمجة؟!

الكاتب العربي الراحل محمد خليفة

“المدارنت”..
في سوريا، اليوم، عمليّتا تصويت جرتا في وقت واحد, وكل من العمليتين تعاكس الاخرى وتناقضها, إلى حد أنهما نفي ونفي مضاد. الاولى هزلية ولعبة مكررة ومكروهة وسمجة. والثانية جدية وحقيقية ومسؤولة بدليل أن المواطن السوري يدرك أهمية دوره فيها, فيمضي إليها مخاطرا بحياته و روحه وحريته في سبيلها.
تصويت في عملية انتخابات محلية يجريها النظام بنفس الأساليب المعهودة منذ مطلع السبعينات, يصوت فيها المواطن بلا إرادة ولا اقتناع ولا ثقة بالنتائج, لأنه يعلم أن نتائجها معروفة سلفا, ومحسومة, ومنظمة بطريقة تجعل المواطن غنيا عن المشاركة وتكبد العناء للذهاب إلى صندوق الاقتراع. فوزارة الداخلية وطواقمها من الأجهزة الاستخبارية جزاها الله أسوأ الجزاء كما تستحق وزيادة هي التي تملأ الصناديق بالأوراق وتصوت عن الاحياء والاموات كما لا يحدث في أي بلد أخر.
وتصويت ثان يجري ويتكرر في 90% من المدن والقرى والدساكر بشكل يومي منذ عشرة شهور, حيث رأينا ورأى العالم كله تصويتا على الهواء مباشرة, لا سابق له ولا مثيل, السوريون يشاركون بالملايين فيه يوميا, ويدلون بأصواتهم الحية الناطقة, بلا أوراق ولا صناديق, ولكنها أصوات واضحة, فصيحة, مفعمة بالحيوية والقوة تهدر هدرا, تطالب بإسقاط النظام الإرهابي القائم, ومحاكمة المسؤولين فيه وعنه, وإعدام بشار الاسد المسؤول الاول عنه, والشبيح الاول الذي يعطي الاوامر بالقتل والاغتصاب والسرقة والفساد.
عملية التصويت الاولى يصر النظام على إجرائها رغم الظروف الامنية والسياسية المتدهورة على الارض, حيث لا يستطيع المواطن السوري اليوم التجول الحر والطبيعي لا بين المدن وحسب, بل بين الأحياء والشوارع, كما هو حاصل وملموس في حمص البطلة, عاصمة الثورة وقلعتها القوية الراسخة. يصر على إجرائها في موعدها, ويقول إنها تؤشر وتبشر بسوريا الجديدة, بينما هو يمنع طلاب الجامعات والمدارس من التعبير, مجرد التعبير عن رأيهم فيما يحدث لشعبهم وبلدهم, ويقتلهم لمجرد الهتاف للحرية والمطالبة بالكرامة وتعتبر أجهزته ذلك تجديفا وهرطقة يستحقون عليها أشد صور التنكيل والتعذيب والاضطهاد حتى القتل والموت بطرق وحشية لا مثيل لها في هذا العصر في أي بلد.
لا احد يعلم بالضبط لماذا يصر النظام على تبديد جهوده وأمواله على مسرحية يعلم سلفا, أو هكذا يفترض, أنها لم تعد تحقق له شيئا من نتائجها المتوخاة والمبتغاة, ولم تعد تنطلي على أحد, بعد أن تجاوزها الزمان, وتخطتها الظروف الموضوعية والوطنية, حيث صار الحد الادنى المقبول حاليا هو المطالبة بإصرار بسقوط النظام بكل مكوناته وكل حلقاته وبكل رموزه, بدءا من بشار الاسد نفسه.
لا معنى لذلك سوى أنه مصر على التصرف بطريقة النعامة ودفن الرأس في الرمال بمواجهة التحديات, بدل أن يعترف بها ويتعامل معها بواقعية ومسؤولية وشجاعة أدبية. هو يعلم أن الشعب السوري صوت ضده في التظاهرات التي عمت البلاد من درعا إلى عامودا, وأعطى تأييده للتغيير الجذري, والاصلاح الشامل, وأسقط النظام كاملا من وعيه وثقته, وأصبح يرفض لا المجالس المحلية التي لاقيمة لها أصلا, بل مجلس الشعب, أو بالأحرى مجلس التهريج والكذب, وبقية المؤسسات الفارغة من اي محتوى حقيقي ولا صلة لها بأسمائها ومعانيها أبدا لا في الماضي ولا الآن, إنه يحاول إحياء شرعيته المتآكلة, ولكنه كمن يحاول تحويل التراب إلى ذهب.
إن النظام يبدو كأنه كله لا بشار الاسد فقط منفصل عن الواقع ويزداد انفصالا عن الواقع وعن شعبه ومحيطه وعالمه, ويزداد إيغالا في غيبوبته وموته السريري وموته الوظيفي.
إن سوريا وشعبها يدفعان الثمن الفادح جدا الان جراء هذا الانفصام الخطير الذي يعاني منه أفراد العصابة الحاكمة المتسلطة على رقاب الناس وتحاول الاستمرار في تزوير كل شيء, وتزوير كل شيء, ولا سيما صوت المواطن, وصوت الشعب, وصوت سوريا. هذا النظام منفصم ومنفصل عن كل ما حوله, ويقاتل بهمجية ووحشية تدل فعلا عن حمق وجنون وعبثية لا حدود لها.
العالم كله من اليابان إلى جنوب أفريقيا التي تراجعت عن تأييده في مجلس الأمن سمع صوت الشعب السوري, ورأى تصويته على الهواء مباشرة لصالح التخلص من الطغمة, والانتقال إلى الحرية والحداثة والالتحاق بالعالم في تطوره الحضاري السريع. ولا بد لهذا العالم أن يستجيب لصوت الشعب السوري الذي يرتفع إلى عنان السماء مطالبا بالتدخل الطارىء, لوقف حمامات الدم التي يستمتع بها بشار الاسد وعصابته الحقيرة. والويل للعالم, بخاصة العرب إن لم يسمع الصوت السوري الجريح ويقوم بما يتوجب عليه القيام به.
لم يعد مقبولا ولا مغفورا لأي طرف أن يتهرب من مسؤوليته تجاه الدم السوري تحت أي حجة أو ذريعة.. وإياكم أن تدعوا الشعب السوري يفقد الثقة والايمان بكم… اجل احذروا يأس الشعب السوري, فلا طاقة لكم به!

المصدر “ملتقى العروبيّين”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى