… *الشاعر العربي أحمد فؤاد نجم “عميل للأمبريالية العالمية”
… بعد أن عقد الرئيس المصري الراحل أنور السادات معاهدة سلام مع اسرائيل، والتي عرفت باسم معاهدة “كامب ديفيد”، اتخذت الحكومة السورية موقفا رافضا وممانعا من المعاهدة. وشكلت ما سُمّيت في حينه “جبهة الصمود والتصدي”.
وارتأت الجهات المختصة في سوريا استقطاب الاصوات والقوى المعارضة للمعاهدة على مستوى الوطن العربي، وتم توجيه الدعوات الى شخصيات كثيرة، منها شاعر العامية المصري العربي
المعروف أحمد فؤاد نجم، والذي عُرف بمعاداته الشديدة لسياسات السادات، وتم وضع برنامج لزيارة نجم، تضمّن القاء قصائده وأشعاره على مدرجات جامعة “تشرين” في مدينة اللاذقية، وذلك في بداية عقد الثمانينيات.
وفي اليوم المحدد لزيارة نجم جامعة تشرين في اللاذقية، حضر نجم الى كافيتريا كلية العلوم، وكنت والكثير من الطلبة ننتظر، لكننا فوجئنا بقدومه إلينا مباشرة، كان بسيط المظهر، بنطال وقميص و( شحاطة ) ذات اصبع، جلس بيننا، وتحدث بعفوية جعلت كلاَ منا يشعر ان بينه وبين الشاعر صداقة ومعرفة قديمة، وحين رأى البطاقات التي كانت بحوزتنا، والتي كان (اتحاد الطلبة) قد قام بطباعتها، قال بلهجته المصرية الساخرة :
“يا ولاد الإيه؟.. دول كاتبين إني حاؤول شعر بمناسبة عيد ميلاد البعث”. وتابع بعد أن قرأ السعر المكتوب على البطاقة: “كمان بياخدو فلوس منكم، طبّ ما يدّوني حاجة انا كمان”.
و لم يطل الوقت حتى فوجئ “الرفاق” في الجامعة بتواجد نجم في الكافيتريا، على غير ما انتظروا من توجهه إليهم أولا، فحضر أحدهم مسرعا ورحب بالشاعر قائلاً: “إن الرفيق… ينتظرك في مكتبه لتتناول القهوة بصحبته.
أجاب نجم ببساطة :”خليه ييجي هو، برضو إحنا بنشرب القهوة مع الشباب الحلوين دُول”. وضحكنا في سرّنا، ونحن نرى تعابير الدهشة على وجه “الرفيق” الموفد.
بعد ذلك، وحين دخل نجم المدرج المخصّص للأمسية الشعرية، والذي هو اكبر مدرجات الجامعة، لم يكن أيّ من الطلبة يجلس على مقعد، كنا نقف جميعاً متلاصقين ليمتلئ المدرج بأكثر من ثلاثة أو اربعة أضعاف العدد، وبالطبع احتل “كبير الرفاق” في الجامعة الصفّ الامامي هو وبقية “الرفاق”.
صمت الجميع، وبدأ نجم حديثه، وأيضاً بلهجته المصرية: “في البداية لازم نوجه تحية باسمي وباسمكم إلى الثورة الفلسطسنية. ضجّ المدرج بالتصفيق. وتابع نجم: والتحية التانية للمقاومة اللبنانية البطلة، وأيضا دوى تصفيق طويل.
ثم للاتحاد السوفيتي الصديق، ثم للمعسكر الاشتراكي، ثم لثوار نيكاراغوا، ثم لنيلسون منديلا. ثم.. ثم . وفي كل مرة كانت أكفّنا تلتهب بالتصفيق. ثم تابع :آخر تحية بأه، والمرة دي تحية كبيرة أوي. وصمت نجم، وصمت الجميع، فالكل كان ينتظر التحية الخاصة بالقيادة السورية، وصمودها وتصدّيها، ولذلك اشرأبت أعناق “الرفاق” في الصف الاول، وهيأ كلٌ منهم كفّيه للتصفيق الحاد هذه المرة.
وأكمل نجم: شوفو، أنا كنت ح إنسى التحية دي، إنما الحمد لله افتكرتها، وباسمكم ح نوجّهها الى الثورة في الموزامبيق. وضجّ المدرج بالضحك والتصفيق طويلاً. فهم الجميع المقصود.
لقد جاء نجم إلى سوريا، ليقول شعراً لنا نحن الطلبة، للناس العاديين، وإنه غير معني “بالرفاق”، ولا بصمودهم ولا ممانعتهم. عندها قام “الرفاق” بالصف الامامي “قومة رجل واحد”، وغادروا المدرج على وجه كل منهم تعبير لا يمكن تفسيره. وبقينا نحن مع نجم.
قال أجمل القصائد.. غيفارا.. مصر يامّه يا بهية.. نواره… الخ.
***
وانتهت الأمسية ولم يتنه نجم منّا، التففنا حوله وطالبناه بأن يأتي ثانية، وأجاب وهو يقرأ محبّتنا له في عيوننا: خلاص، حاشوفكم بكرة العصر في الكافيتريا دي.
وفي اليوم التالي، انتظرنا.. وانتظرنا.. ولم يأتِ نجم. وبعد حين سرى الخبر بيننا همساً: لقد استدعى “كبير الرفاق” صباحاً المسؤول عن ادارة الكافيتريا ، وأبلغه أنه أُمِر بمنع دخول نجم إلى الحرم الجامعي، وحذره من استقباله في الكافيتريا. وتابع “كبير الرفاق”، وهو يعلّل التعليمات الجديدة :لقد تبيّن لنا أن أحمد فؤاد نجم عميل للإمبريالية العالمية.
… منقول.