الصراع من أجل سوريا!
“المدارنت”..
بعد إعلان الدوحة فتح سفارتها في دمشق، بيومين، قام وفد قطري رفيع المستوى برئاسة محمد الخليفي، وزير الدولة في الخارجية القطرية، بزيارة إلى دمشق، حيث التقى قائد الإدارة السورية أحمد الشرع، وبحث «سبل تعزيز علاقات البلدين ودعم مستقبل سوريا».
يوم أمس الأحد، أرسلت الإدارة الجديدة في دمشق، بدورها، وفدا رفيعا إلى الدوحة، تألف من وزير خارجيتها أسعد الشيباني، ووزير دفاعها مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز استخباراتها العامة، أنس خطاب. جرى هذا بعد يومين من الزيارة الخارجية الأولى للوفد نفسه إلى الرياض، حيث التقى وزير الدفاع خالد بن سلمان، والخارجية فيصل بن فرحان، ورئيس الاستخبارات العامة خالد بن علي الحميدان، ومن المنتظر أن يزور الوفد أيضا الإمارات والأردن هذا الأسبوع.
تزامن ذلك مع زيارات لوزيريّ خارجية فرنسا وألمانيا يوم الجمعة الماضي، بعد أن زار دمشق ممثلون من أوكرانيا والولايات المتحدة وتركيا وقطر وغيرها، كما تزامن مع رسائل إيجابية من الإدارة الجديدة إلى الدول العربية كافة.
فقال الشرع: “إن سوريا تتطلع لعلاقة استراتيجية مع مصر”، كما أنه وجّه رسائل واضحة لم تستثن روسيا، التي كانت الحليف السياسي والعسكري الأكبر للنظام السابق لبشار الأسد، حيث أشار الشرع، في مقابلة مع وسائل إعلام إلى أن سوريا لها «مصالح استراتيجية مع روسيا، وأنه يأمل ألا تغادر موسكو البلاد «بطريقة لا تتوافق مع العلاقات الثنائية» كما أنه وجّه رسالة إلى إيران، الحليف الكبير الثاني للنظام السابق، قال فيها إن الإدارة الجديدة تسعى لإقامة علاقات متوازنة مع الجميع.
تشير هذه الزيارات والرسائل الصريحة من الإدارة السورية الجديدة إلى رغبتها في تأسيس علاقات جديدة، مبنية على الاحترام والمصالح المتبادلة، بأمل إعادة الأمن والاستقرار إلى بلاد تم تدميرها وإفقارها، وتهشيم بناها التحتية الاجتماعية والاقتصادية، وأن الإدارة تريد استبدال ما كان يسمى في الأدبيات السياسية العالمية، «الصراع على سوريا» بمبدأ جديد هو «الصراع من أجل سوريا».
يستند هذا إلى وعي واضح بأن هذا الجزء الكبير من الجغرافيا المنكوبة لبلاد الشام في حاجة للعودة إلى حالة «الدولة الطبيعية» المتصالحة مع مواطنيها، والمحيط العربي، والعالم، وهو ما يعني أن المهمة الأولى لأي إدارة عاقلة هي التركيز على تحقيق حد معقول من الخدمات الرئيسية، من رواتب وماء وكهرباء وغاز ونفط، وتأمين استقرار وأمن لمن يسكنون على أرضها، وهو ما يستلزم الوقت لالتقاط الأنفاس، ومحاولة رفع الرأس من تحت الأنقاض، والتوصل الى اتفاقات سريعة مع الدول العربية والأجنبية، كما يستلزم، بالضرورة، الحياد الإيجابي عن المحاور الكبرى العالمية أو الإقليمية أو العربية المتصارعة.
في المقابل، وبمجرّد أن انهار نظام بشار الأسد، سارعت “إسرائيل” إلى العمل على حرمان الإدارة العسكرية الجديدة من البنى التحتية العسكرية لنظام الأسد، فنفذت مئات الغارات، واستكملت ضرب مخزون السلاح الكيميائي، كما لو أن بقاءه في حوزة النظام السابق مسموح، طالما كان يستخدم ضد السوريين أنفسهم، وهو ما فعلته بمستودعات الذخيرة والصواريخ والمعامل ومراكز البحث.
اللافت في هذا السياق، أن السلطات المصرية، التي كانت أبدت دعمها لنظام الأسد قبل ثلاثة أيام من سقوطه المخزي، انتظرت ثلاثة أسابيع على الحكم الجديد في دمشقـ قبل أن يقوم وزير خارجيتها بدر عبد العاطي، بالاتصال بنظيره السوري، ليدعوه إلى تنفيذ عملية انتقال سياسي «تتسم بالشمولية».
يسجّل أيضا أن السلطات المصريةـ قامت باعتقال العديد من السوريين على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد، أو المطالبة برفع علم سوريا الجديد (القديم، باعتباره علم الاستقلال أيضا) كما أنها قامت بمنع دخول السوريين، ما عدا من يحملون الإقامة المصرية، وهو إجراء اتبعته بتقييد دخول الفلسطينيين أيضا!
الواضح أن القاهرة تغلّب الحساسيات السياسية المعروفة الموروثة من فترة خلع الرئيس (الراحل) محمد مرسي، والصراع مع «الإخوان المسلمين»، بدلا من التعاطي مع بلد جمعتها به دائما العلاقات الاستراتيجية، التي تؤكد الهجمات “الإسرائيلية” على سوريا (والإبادة الجماعية الجارية للفلسطينيين في غزة) على ضرورتها القصوى حاليا، ناهيك عن ضرورة دعم السوريين بعد 14 سنة من الحرب الطاحنة والكوارث الكبيرة.