مقالات

الصفقة التي يحملها لقاء الأسد وأردوغان؟!

“المدارنت”..
تخلّى النظام السوري عن مطلبه بانسحاب الجنود الأتراك من الشمال خلال الوقت الحالي وجرى اتفاق على مناقشة الانتهاء من ملف الوجود العسكري الأميركي.
روسيا تريد أن يُعقد لقاء قريب بين الأسد وأردوغان بحضور بوتين في موسكو، وعارضت حصول لقاء بين الأسد والمعارضة التركية
لا يزال ملف التقارب التركي مع النظام السوري واحداً من أهم الملفات التي شغلت الأجندة التركية على مدى الأسابيع الماضية، فعملية تطوير العلاقات هذه لم تكن رغبة بحتة للحكومة التركية، ولم تكن سياسة خارجية انتهجها الحزب الحاكم، بل كانت المعارضة التركية لاعباً مهماً في هذه العملية، واليوم هناك تطورات جديدة مهمة لا بد من ذكرها.
أي لقاء قد يحصل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد لن يكون من دون حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، وهذا أمر محسوم، وقد تداولت الصحف خلال الفترة الماضية تسريبات تفيد بأن اللقاء المحتمل سيكون في موسكو وتحديداً في أغسطس (آب) الجاري، من دون تعيين موعد دقيق.

المعارضة التركية
في تركيا بذل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، جهوداً كبيرة لدفع عملية التقارب مع دمشق، وحاول رئيس الحزب أوزغور أوزال زيارة دمشق والاجتماع مع الأسد، لكن يبدو أن الأسد لا يريد اللقاء به كي لا يُغضب أردوغان، وفي هذا الشأن يقول نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري إلهان أوزغل إنه “لا تزال محادثاتنا في هذا الشأن مستمرة، ولقد أجرينا اتصالاً رسمياً بالقنصلية السورية في إسطنبول، وكان الرد في البداية إيجابياً، لكن عندما وصل الأمر إلى دمشق كان التقدم بطيئاً للغاية، وطلبنا اجتماعاً مع الحكومة السورية وأنهم سيبلغوننا الرد في أغسطس، والآن ننتظر”.
كصحافي كنت أشارك في فعاليات ودعوات السفارات الأجنبية في أنقرة منذ 25 عاماً، وخلال هذه الأعوام كوّنت كثيراً من الصداقات الشخصية مع عدد من الدبلوماسيين والملاحق العسكريين واستمرت صداقتنا حتى اليوم، وبعض هؤلاء الأشخاص سفراء لدول كبرى في تركيا، وبعضهم مسؤولون في وزارات الخارجية والدفاع في بلدانهم، وضمن هؤلاء بعض الدبلوماسيين الروس المعنيين بالملف السوري، وبعد أن طغت أخبار التقارب بين أنقرة ودمشق ناقشت هذا الموضوع مع ثلاثة مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين، وهؤلاء المسؤولون مشرفون بصورة مباشرة على قضية التقارب بين تركيا وسوريا، وينقلون تقاريرهم أولاً بأول إلى بوتين مباشرة.

“إسرائيل كردية”
الأشخاص الثلاثة الذين ناقشت معهم ملف العلاقات بين البلدين أحدهم جنرال جوي كان ملحقاً عسكرياً لدى السفارة الروسية في أنقرة، والمصدران الآخران شغلا منصب الوكيل الأول والثاني لدى سفارة موسكو في تركيا، وهنا لن أقوم بسرد الأسئلة والأجوبة كاملة وإنما سألخص الإجابات فقط التي تلقيتها من هؤلاء المسؤولين.
يقول مصدر روسي يشارك في مفاوضات التقارب إن “روسيا لا تريد أن تصبح الولايات المتحدة الأميركية هي القوة المهيمنة في الشرق الأوسط من خلال إسرائيل، وبعد انتهاء الحرب مع حركة ‘حماس’ فمن المتوقع أن يتجه التحالف الأميركي – الإسرائيلي نحو سوريا، وربما تدخل إسرائيل أيضاً في حرب مع ‘حزب الله’ اللبناني، وهذا لن يكون إلا بدعم أميركي مباشر، وبعد ذلك وعلى المدى البعيد قد تكون واشنطن جادة في إقامة دولة كردية في المنطقة، وهذه الدولة المحتملة الإنشاء ستكون بطبيعة الحال متحالفة أو تابعة لأميركا مثل إسرائيل، وتقارير الاستخبارات الروسية تؤكد أن هناك نية حقيقة لإقامة هذه الدولة، ولذلك ترى موسكو أن التطبيع المحتمل بين تركيا وسوريا سيسهم بصورة كبيرة في منع حدوث مثل هذا المخطط، ولذلك فإن عدم إقامة دولة كردية ليس مطلب تركيا وحسب، بل هو أيضاً مطلب روسيا”.

لا خيار آخر
المصادر الديبلوماسية تضيف أيضاً أنه “في الأسبوع الثاني من شهر يوليو (تموز) الماضي أجرى بوتين اتصالاً هاتفياً مع بشار الأسد، وقال الأسد لبوتين إنه موافق على لقاء أردوغان، وكذلك أبلغ المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف موسكو بهذا الأمر، وفي الحقيقة فإن الأسد ليس مخيراً وليس أمامه أي خيار آخر سوى محاولة الاتفاق مع تركيا، مما يعني أن تركيا ليست وحدها التي تريد التصالح مع دمشق، بل العكس صحيح أيضاً، وكذلك لا يمكننا أن ننكر الجهود العراقية التي سرّعت الموضوع نوعاً ما”.
وتؤكد المصادر الروسية أن “النظام السوري تخلى عن مطلبه بانسحاب الجنود الأتراك من الشمال السوري خلال الوقت الحالي، واُتفق على مناقشة هذا الموضوع في وقت لاحق بعد الانتهاء من ملف الوجود العسكري الأميركي شمال شرقي سوريا، والتخلي عن هذا الشرط المسبق مهم جداً للسير قدماً في ملف التطبيع”.
وتتابع المصادر الديبلوماسية أن “روسيا لن تسبب أية مشكلات أو عوائق أمام القوات المسلحة التركية لتنفيذ عملية جديدة لمكافحة الإرهاب ضد حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا، وذلك في حال عُقد اجتماع بين الأسد وأردوغان”.

عودة اللاجئين
أما بالنسبة إلى ملف المعارضة السورية المسلحة والجيش الوطني السوري الذي تدعمه تركيا في الشمال، فتوضح المصادر أنه هذا الموضوع لن يُناقش خلال المحادثات الحالية، وسيتم التركيز فقط على الجماعات المتطرفة في مدينة إدلب، مثل هيئة تحرير الشام التي يقودها أبو محمد الجولاني وباقي الجماعات المتطرفة، أما المعارضة السورية المسلحة المعتدلة فسيؤجل أمر البت في شأنها حتى تتطور المحادثات أكثر.
الهدف الأساس الذي حرك تركيا بصورة جدية لبحث التقارب مع الأسد هو مسألة وجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا، مما خلف مشكلات كبيرة في المجتمع التركي الذي حمّل اللاجئين مسؤوليات كبيرة، فباتت تركيا تبحث عن حلول منطقية للبدء في عملية العودة الطوعية للسوريين لبلادهم، وتشير مصادر روسية مطلعة إلى مناقشة خطة تقضي بعودة السوريين.

روسيا تفضل التعامل مع أردوغان
وبالنسبة إلى روسيا فإن تحالفها مع حكومة الرئيس أردوغان أهم لها من التحالف مع المعارضة التركية أو التقرب منها، ذلك أنها تنظر إلى حزب الشعب الجمهوري في تركيا على أنه مقرب من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أما أردوغان فيتمتع بنوع من الاستقلالية ويستطيع أن يوازن بين تحالفاته مع الغرب وبين علاقة تركيا مع روسيا، وتعتقد موسكو أنه في حال فاز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة فإن حكومته ستكون مناهضة لروسيا، وهناك تردد جدي لدى موسكو في شأن مسألة الثقة في المعارضة التركية، خصوصاً بعد أن صدرت تصريحات من زعيم المعارضة التركية والمرشح الرئاسي السابق كمال كليجدار أوغلو تنتقد سياسة روسيا في أوكرانيا، وهو أمر أزعج الكرملين.
وعلى رغم أن بشار الأسد مقرب من المعارضة التركية إلا أن روسيا لم تكن متشجعة لعقد لقاء بين زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي وبين الأسد، وبذلت جهوداً لأن يكون هذا اللقاء بين أردوغان والأسد، وهذا أيضاً دليل آخر على أن روسيا تفضل التعامل مع أردوغان، وهناك معلومة أخرى مهمة وهي أن ثلاثة أحزاب سياسية من المعارضة التركية تقدمت بطلبات للتواصل مع دمشق لكن لم يحصل أي لقاء، ربما لأن موسكو لا تريد ذلك.
وبالنتيجة فإن روسيا تريد أن يُعقد لقاء قريب بين الأسد وأردوغان بحضور بوتين في موسكو، بينما عارضت حصول لقاء بين الأسد والمعارضة التركية، وهذا يشير إلى أن من يريد لقاء بشار الأسد عليه أن يتواصل مع الكرملين وليس مع دمشق.

وبالنسبة إلى حزب الشعب الجمهوري والمعارضة التركية فعليهما مراجعة سياستهما الخارجية في ما يتعلق بأذربيجان وروسيا، وعليهما تغيير طريقة التعاطي وطبيعة العلاقات، لأن علاقاتهما تضررت جدياً مع روسيا وأذربيجان المتحالفتين مع أردوغان خلال فترة زعامة كليجدار أوغلو المعارضة التركية.

الآراء الواردة في المقالة تخص الكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة “اندبندنت تركية”.
المصدر: جوربوز إيفرين/ اندبندنت عربية”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى