الصيادي يعلّق على مقالة د. برهان غليون: صراعات الشرق الأوسط المعقّدة والسلام المستحيل!
خاص “المدارنت”..
قرأت مقال الدكتور برهان غليون، بشغف علّني أجد فيه رؤية تستند الى قواعد في التحليل والتشخيص تفيد المتابع، لكن هذا الشغف بدأ يتراجع كلما تقدّمت بالقراءة، حتى إذا وصلت إلى نقطة الختام، أبقى المقال خلفه فراغات وأسئلة بأكثر مما قدم ايضاحات وأجوبة.
منذ البدء، حينما لم يرَ دورًا ولا أفرد قيمة لحركات التحرر، ولتيار عدم الانحياز في خارطة ما بعد الحرب العالمية، واعتبر أن الدول العربية كانت إما اشتراكية تابعة للمعسكر السوفياتي، وإما تابعة للمعسكر الغربي وزعامته ممثلة بالولايات المتحدة.
ثم حينما لم يرَ الجذر الحقيقي للموقف الايراني، وهو الجذر القائم على الأساسين: العنصري/ الفارسي، والطائفي/ الشيعي، وقد اندمج هذان العنصران في استحضار واستخدام نظرية ولاية الفقيه. إذ بهذه النظرية أصبح المشروع الايراني يغطي العالم الاسلامي كله (باعتباره مستهدف لاعادته إلى حظيرة الاسلام كما يرون)، ويغطي العالم كله باعتباره يحول ايران الى دولة امبراطورية تنافس حينها الدول الأخرى العظمى.
إن ايران هنا، مشروع فارسي امبراطوري يمتطي نظرية ولاية الفقيه، ولو كان مجرد نظام اسلامي شيعي، لعمل بعد أن بسط نفوذه وسيطرته على العراق على تنمية هذا البلد لا تدميره.
ورغم رؤيته الصحيحة للصراع التنافسي بين واشنطن وطهران للسيطرة على المنطقة العربية. إلا أنه لم يعطِ “المشروع الصهيوني وكيانه”، دوره الحقيقي في هذا الصراع التنافسي فاعتقد بإمكانية تخلي الغرب عن الكيان الصهيوني، وهذا تصور فيه خلل شديد.
وكونه ما يزال يرى إمكانية أن يفيق “النظام العربي” من غيبوبته، ويتحول إلى قوة تعتمد على نفسها، فإنه بذلك يكشف عن خلل عميق في فهم طبيعة هذه النظم، وكأنه وهو يقول ذلك يعتقد أن انحيازات هذا النظام نتيجة خطأ في الرؤى، وليس نتيجة نتيجة تبعية أصيلة للخارج، وانقطاع الصلة بين نظم الحكم والناس وتاريخهم وتطلعاتهم، وهذا يستدعي البحث في جذور وجود هذه القوى المتحكمة بأوطاننا.
أنا أتفق مع الدكتور غليون، بأن ايران لا تريد الدخول في معركة كسر عظم مع واشنطن، وكذلك واشنطن لا تريد ذلك، وإنما الطرفان يعملان في إدارة صراع تنافسي، ومن هذه الزاوية يصبح المشروع النووي لدى ايران مركزيا، لكن الصهيونية العالمية التي تدير الكيان الصهيوني، وتسيطر على مراكز القرار في واشنطن وعواصم الغرب، قد ترى في لحظة ما غير ذلك، بفعل قوى متطرفة فيها، لكن المرجح عدم نجاحها في ذلك لأسباب عديدة، أهمها أن حجم المصالح المتوفرة في منطقتنا للجانبين يسمح بتلبية جشعهما دون مقامرة الدخول في صراع بينهما.
بالتأكيد لن تدخل ايران صراعا مصيريا مع الكيان الصهيوني أو مع الولايات المتحدة بشأن فلسطين، إذ لا تمثل فلسطين إلا محطة في مسار مشروعها، لكنها لن تتخلى عن الاستثمار في هذه المحطة لأقصى حد، ولطبيعة القضية الفلسطينية فإن الاستثمار الايراني فيها طويل الأمد جدا، ومما يجعله كذلك هذا التخلي العربي عن المسؤولية تجاه فلسطين وهو بالحق تخل عن المسؤولية تجاه الذات وتجاه المستقبل العربي كله.
أتفق مع الدكتور برهان، أن بسط السيطرة الايرانية على بلاد الحرمين الشريفين هدف حقيقي لإيران، لأنه يقدم دعما لا حدود له لمشروعها الامبراطوري، واتفق معه على أن واشنطن لا يمكن أن تقدم حماية حقيقية ودائمة للملكة العربية السعودية، وأضيف هنا أن هذه الحماية من عدوان خارجي، لن يوفرها إلا امتلاك المملكة لمشروعها النووي العسكري بأبعاده الثلاثة (السلاح نفسه، التكنولوجيا، الأداة اللازمة لنقل هذا السلاح).