الصين وقارة المستقبل!
“المدارنت”..
مثلما يفتح انعقاد منتدى الصين وإفريقيا آفاقاً جديدة للعلاقات بين الطرفين، ويمنح بكين موطئ قدم أقوى في القارة الغنية بالموارد والاستثمارات، يفتح أيضاً جرحاً غربياً، ما يزال ينزف منذ سنوات بسبب التقلبات والتغيرات الجيوسياسية التي تعصف بالعديد من الدول الإفريقية، ودفعها إلى البحث عن شركاء مختلفين في صدارتهم الصين.
المعركة الدائرة بين القوى الكبرى في إفريقيا ليست خافية، ولا تحتاج إلى براهين أو أدلة، وقد شهد العقد الأخير ما يكفي لتأكيد التحول الكبير في القارة أفضى إلى ميلاد نخب سياسية جديدة تريد التحرر من الماضي، وتعلن رفضاً صريحاً للهيمنة العربية، وتسعى إلى استكشاف علاقة مع القوى الصاعدة الأخرى، مثل الصين وروسيا اللتين أصبحتا لاعبين رئيسيين في كثير من الملفات المصيرية، وبعض من التحولات السياسية الإفريقية يعود إلى دورها.
وإذا كانت موسكو قد استأثرت بحضور عسكري واضح من خلال الانتشار العسكري في دول مثل مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى، التي كانت حتى وقت قريب خاضعة لفرنسا، فإن للصين النصيب الأكبر في القارة، ففي ظرف قياسي باتت أكبر شريك للدول الإفريقية في النصف الأول من هذا العام بتجارة ثنائية بلغت 167,8 مليار دولار، وهو رقم له دلالاته المستقبلية يتجه إلى التضاعف مرات عدة في السنوات القليلة المقبلة، كما أن له وقعاً سيئاً لدى خصوم الصين الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي تنكر فشل سياساتها تجاه إفريقيا، وتشن حملات إعلامية ودبلوماسية لمواجهة ما تسميه «الخبث الصيني»، بينما واقع الحال مختلف ويشير إلى دهاء صيني ونظرة مستقبلية لا تنقصها الحصافة وطول النفس.
في السنوات العشر الأخيرة، عززت بكين علاقاتها مع الدول الإفريقية، وأرسلت مئات ألوف العمال والخبراء والمهندسين لبناء المشاريع الضخمة، وتطابقت حاجتها مع تطلّع، المستعمرات الغربية السابقة، إلى تحقيق النمو وتغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتحرر من قيود الإرث الاستعماري، وقد أقرضت بكين هذه الدول مليارات الدولارات، انتقدها الغرب كثيراً بحجة أنها تحمل دولاً فقيرة ديوناً ضخمة، ولم تعبأ بكين بهذه الانتقادات، وظلت تعمل على توطيد حضورها، مع حرص على إظهار عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، على عكس ما تفعل دول الاستعمار القديم.
اتصالاً بهذه الاستراتيجية الصينية، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس جنوب إفريقيا وسيريل رامافوزا، رفع العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد»، وتحديد الشراكة بظرف زماني هو «العصر الجديد» يعني أن بكين عازمة على الانتشار أكثر في إفريقيا، وستقودها استثماراتها الطائلة إلى مناجم النحاس والذهب والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة التي يتوقف عليها الكثير من الصناعات الحديثة، واندلعت بسببها حروب تجارية، بعضها علني وأغلبها خفي، خصوصاً مع الولايات المتحدة التي تريد أن يكون لها نصيب من مستقبل القارة الإفريقية.
ورغم أن المعركة لن يتم حسمها قريياً، إلا أن مؤشراتها تؤكد أنها ستكون قاسية، خصوصاً في ظل طموح الصين لتكون الدولة الاقتصادية الأولى، ولن يتأتى لها ذلك دون إفريقيا التي توصف بأنها قارة التنمية والمستقبل.