العدالة وازدواجية المعايير!
“المدارنت”..
يدرك مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية (كريم خان)، أنه سيواجه عاصفة من الانتقادات والتهديدات لمجرد محاولته المسّ بمسؤولين “إسرائيليين” (إرهابيّين صهاينة) وتوجيه اتهامات لهم، على قاعدة أن القانون الدولي يجب أن ينطبق على الجميع، بقدر ما يدرك أن العدالة بحاجة إلى حماية من دهاليز السياسة، ومن ازدواجية المعايير، فهل كان يأخذ ذلك بعين الاعتبار؟
قليلة هي المرات التي استهدف فيها القانون الدولي قادة “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة)، إذ إن أبرز حالتين تعرض لهما مسؤولان “إسرائيليان” هما رئيس الوزراء الأسبق (الإرهابي الصهيوني) إسحق شامير، لمسؤوليته عن اغتيال الكونت برنادوت في القدس عام 1948، و(الإرهابية الصهيونية) تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة، لمسؤوليتها عن حرب غزة عام 2008، من دون أن يتم القبض على أحد أو إخضاعه لمحاكمة، وبالتالي، ظلت “إسرائيل”، بمنأى عن الخضوع للقانون والمحاكم الدولية بفضل الحماية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص.
اليوم يواجه مسؤولون “إسرائيليون” على أعلى المستويات، خطر الاعتقال والمحاكمة في حال وافق قضاة محكمة الجنايات الدولية على طلب المدعي العام بإصدار مذكرات اعتقال تشمل رئيس الوزراء (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه (الإرهابي الصهيوني) يوآف غالانت، إضافة إلى ثلاثة من قادة حركة “حماس”(إسماعيل هنية ومحمد الضيف ويحيى السنوار).
ومع استبعاد إمكانية محاكمة أي قادة “إسرائيليين”، إلا أن مجرد توجيه إصبع الاتهام لهؤلاء أثار غضباً عارماً لدى كل ألوان الطيف “الإسرائيلي”، وصل إلى حد إشهار سيف «معاداة السامية» وهو السلاح المسلط على رقبة كل من ينتقد “إسرائيل”.
هذا الغضب سرعان ما امتد أيضاً إلى واشنطن وبدرجة أقل إلى لندن، إذ اعتبرت واشنطن أن هذا الطلب «مُشين»، لأنه يساوي بين «دولة ديموقراطية» (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) ومسلحين فلسطينيين “المقاومة الفلسطينية). وهبّ “الكونغرس” (الأميركي) للدفاع عن “إسرائيل” والبحث في إصدار عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، بل ذهب أعضاء في الحزب الجمهوري إلى توجيه إنذارات لأعضاء المحكمة لمنعهم من إصدار مذكرات الاعتقال.
أما الخارجية الأمريكية، فقد اعتبرت أن قرارات «الجنائية» لا تنطبق على “إسرائيل”، باعتبارها ليست عضواً موقعاً على اتفاق روما المؤسّس للمحكمة الجنائية الدولية، وإنما تنطبق على روسيا، على خلفية حرب أوكرانيا، مع أن روسيا أيضاً ليست عضواً في «الجنائية الدولية»، ولا الولايات المتحدة كذلك. وبالتالي كيف يمكن تفسير هذه الانتقائية في المعايير أثناء تطبيق القوانين الدولية؟
الواقع أن الضغوط الأمريكية كانت تتعاظم على المحكمة قبل إعلان المدعي العام بوقت طويل، كما أن “إسرائيل” التي استشعرت في الأسابيع الأخيرة إمكانية صدور مثل هذه المذكرات، أجرت اتصالات دولية مكثفة مع حلفائها في الغرب وكل العواصم المؤثرة لمنع صدورها، وها هي اليوم تبذل جهوداً مضاعفة لثني المحكمة عن تبني طلب المدعي العام الذي تأخر كثيراً جراء هذه الضغوط.
السؤال الآن، هل تصدر المحكمة مذكرات اعتقال أم أنه سيتم رفض طلب المدعي العام تحت هذه الضغوط أو بسبب هذه الذريعة أو تلك؟ سؤال لن تطول كثيراً الإجابة عنه.