العراق.. قانون الانتخابات والنتائج المسبقة!
“المدارنت”..
كتبنا مرارا عن قانون الانتخابات وأزمة النظام السياسي في العراق، وقلنا إنه خلف كل قانون انتخابات جديد، أو تعديل لقانون انتخابات قديم، تكمن مصالح سياسية انتهازية للقوى المهيمنة على القرار داخل مجلس النواب، وأن آخر ما تفكر فيه هذه القوى تشريع قانون انتخابات يضمن عدالة التمثيل أو تكافؤ الفرص أو النزاهة وضمان عدم التزوير، بل على العكس تماما، الحرص كان دائما على تشريع قوانين انتخابات تطيح بكل ذلك!
جرت أول عمليتين انتخابيتين في العراق، انتخابات الجمعية الوطنية في في كانون الثاني/ يناير 2005، وانتخابات مجلس النواب العراقي بعيد إقرار الدستور العراقي في كانون الأول/ ديسمبر 2005، في سياق النفوذ الكبير للولايات المتحدة الأمريكية حينها، والدور الكبير لبعثة الأمم المتحدة في العراق (التي أوصت باعتماد نظام التمثيل النسبي وفق «القائمة المغلقة»، وأن يكون العراق كله دائرة واحدة، من أجل ضمان التمثيل العادل لجميع مكونات الشعب العراقي).
لهذا اعتمد قانون الانتخابات رقم 16 لعام 2005 تلك التوصية، ولا أزال أرى شخصيا، أن هذا النظام هو النظام الأكثر تمثيلا وعدالة بالنسبة لوضع العراق، من أي نظام آخر جرت تجربته بعد ذلك.
لكن هذا النظام الانتخابي لم يتسق مع مصالح بعض الفاعلين السياسيين الشيعة بالخصوص، وعلى رأسهم السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء يومها، لهذا عمدوا إلى شيطنته. فقد نشرت قناة العراقية «الرسمية» التابعة للحكومة عمليا، يوم 5 تشرين الأول/ اكتوبر 2009 عن مصدر في مكتب السيد علي السيستاني أنه «أعرب عن رغبته باعتماد القائمة المفتوحة والدوائر المتعددة في الانتخابات بدلا عن القائمة المغلقة والدائرة الانتخابية الواحدة».
وهو ما أجبر الفاعلين السياسيين السنة والكرد المعترضين على التراجع عن مواقفهم! مع أن رئيس مجلس النواب حينها الدكتور»أياد السامرائي» قد أعلن أنه سيتم «تبني القائمة المغلقة» في انتخابات مجلس النواب عام 2010، لكن بعد نشر الخبر المتعلق بتوصية السيد السيستاني، خرج نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي (الذي ينتمي الى حزب رئيس مجلس النواب نفسه) بمؤتمر صحافي يوم 7 تشرين الثاني/ أكتوبر مع السيد عادل عبد المهدي أعلنا فيه تأييدهما للقائمة المفتوحة!
كما جرى إدخال تعديل آخر على القانون، لأغراض سياسية بحتة أيضا، تمثلت بالغاء تخصيص مقاعد لانتخابات الخارج بسبب الاعتقاد أن هذه المقاعد ستذهب معظمها للسنة الذين غادر الكثير منهم العراق بعد العام 2003، وبعد الحرب الاهلية في العام 2006، وهو ما دفع الفاعل السياسي الشيعي لإلغائها!
ثم بعد ذلك تشكل قانون جديد عام 2014 صمم أيضا لضمان استحواذ القوى المهيمنة على مجلس النواب على المقاعد، من خلال تعديل Sainte-Laguë method (تلفظ عراقيا سانت ليغو) المتلعقة بآلية توزيع المقاعد برفع الرقم الأول الذي يتم تقسيم الأصوات عليه من 1.4 إلى 1.6 من أجل مزيد من احتكار للمقاعد النيابية من الكتل الكبرى، وتقليل فرص الأحزاب والكتل الصغيرة من الحصول على أي مقعد.
وفي الانتخابات المبكرة لمجلس النواب التي جرت عام 2021، شُرع قانون جديد اعتُمدت فيه الدوائر المتعددة داخل المحافظة الواحدة، والترشيح الفردي في الدائرة الانتخابية، وجرى تقسيم المناطق الانتخابية بطريقة اعتباطية، من دون معيار منطقي، بل وفقا لمصالح الفاعلين السياسيين المهيمنين على القرار داخل مجلس النواب (وهذا النوع من التقسيم السياسي للدوائر الانتخابية يعرف بمصطلح Greeymanderin نسبة إلى واضعه البرج غيري الذي كان حاكما لولاية ماساتشوستس الأمريكية بداية القرن التاسع عشر، والذي قام بتقسيم الدوائر الانتخابية في منطقة بوسطن بطريقة تمنع الأقلية السوداء من الفوز بأي مقعد أولا، كما تضمن فوز الحزب الذي ينتمي إليه بغالبية المقاعد).
وبالفعل تمكن الكيانان اللذان كانا خلف هذا القانون الجديد، وهما التيار الصدري وحزب تقدم، من الفوز بمقاعد كثيرة لا تتناسب مع وزنهما الانتخابي الحقيقي!
وتغير الأمر بعد استقالة التيار الصدري من مجلس النواب، وفقدان حزب «تقدم» تأثيره السياسي الذي كان مرتبطا دائما بدعم الفاعل السياسي الشيعي (كان قرار الإقالة المسيس الذي أصدرته المحكمة الاتحادية لرئيس حزب تقدم من رئاسة مجلس النواب أحد مظاهر فقده لهذا الدعم) حيث عُدِل قانون الانتخابات مرة أخرى عام 2023، وألغيت فكرة توزيع المحافظات على دوائر متعددة.
وألغي نظام الترشيح الفردي أيضا، وأعيد نظام المحافظة كدائرة واحدة، واعتمد نظام التمثيل النسبي وفقا للقوائم مرة أخرى، بغرض منع التيار الصدري وحزب تقدم من الحصول على ما حصلا عليه عام 2021!
لكن الصراع بين الإطار التنسيقي المهيمن على القرار داخل مجلس النواب من جهة، ورئيس مجلس الوزراء من جهة ثانية، والخشية من منافسة السيد السوداني للإطار على المقاعد الشيعية في الانتخابات القادمة، والنتائج غير المتوقعة التي حصل عليها بعض المحافظين المتمردين على الإطار التنسيقي في انتخابات مجاس المحافظات عام 2023، تدفع بالإطار التنسيقي اليوم لتجريد هؤلاء من أي إمكانية للفوز بمقاعد كثيرة متوقعة، وذلك من خلال تعديل قانون الانتخابات مرة أخرى لضمان عدم حصول ذلك.
فقد أعلن قبل أيام رئيس مجلس النواب الحالي، (المحسوب على نوري المالكي) عن مشروع تعديل لقانون الانتخابات سيرد من رئيس الجمهورية يتضمن اعتماد نسبة 10في المئة للحاصلين على أعلى الأصوات، و90 في المئة للقوائم الانتخابية بعد حذف الأصوات التي حصل عليها الفائزون الأوائل. وهو تعديل يستطيع الإطار التنسيقي وحلفاؤه تمريره بسهولة في المجلس، وسيتمكن من خلاله من الإطاحة بإمكانية رئيس مجلس الوزراء والمحافظين المتمردين من حصول قوائمهم على مقاعد كثيرة بسبب الأصوات التي يمكنهم الحصول عليها.
في العراق، لا يعرف القانون بوصفه قاعدة عامة مجردة هدفها الصالح العام، كما يَفترضُ تعريفه، بل هو في ذهنية الطبقة السياسية مجرد «سطر يكتبونه وسطر يمسحونه» وفقا لمصالحهم الطائفية والحزبية والشخصية!