تربية وثقافة

“الغد اللبناني” تعلن نتائج احتفالية القصة القصيرة/ الموسم الاول

خاص “المدارنت”..

في موسمها الأول لاحتفالية القصة القصيرة، الذي أطلقته “جمعية الغد اللبناني”، نهاية العام الماضي، تعلن اليوم، عن النتائج النهائية لهذه الاحتفالية، والتي شارك فيها 31 نصًا باللغة العربية ونصًا واحدا فقط باللغة الانكليزية.

وقد بلغ اللائحة الطويلة تسعة نصوص، تأهل منها أربعة نصوص إلى اللائحة القصيرة.

واليوم الاثنين 26-4-2021، أعلنت لجنة التحكيم المشرفة على الاحتفالية التي أطلقتها “جمعية الغد اللبناني”، اسميّ القصتين الفائزتين في المركز الأول والمركز الثاني.

وهما:

في المركز الأول: جرعة حياة

 بقلم:  لارا علي حسن

خرجت في الصباح الباكر كعادتي أرتدي معطفي على الطريق، أصطحب كوب القهوة إلى سيارة الأُجرة، لأشربه، وألعن سخرية القدر، وعربدة الساسة التي جعلت الطريق؛ يحمل مطبات، نعلو أمتارًا بفضلها، ونُحلق نحو الفضاء، هذه البلاد فقيرة حظ مثلنا، لا بل حكمها أحقر البشر، مثل ما حكموا أحلامنا بقيد التنفيذ المؤجل..

لا بأس لم يكونوا سببًا في استيقاظي متأخرة؛ لكن التعب المكدس في معطف روحي هو من يدفعني للنوم، والرغبة في الإنعزال عن العالم.

دوام العمل طويل، والراتب لا نشتري به سوى خيباتنا، لكن آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين؛ فالصحة هي نعمة؛ لا نلتفت إليها إلا بعد أن نفتقدها، حتى صحتنا أتلفتها ظروف البلاد التي لازلت منذ عهد الطبشورة على حالها، فقر، بطالة، جوع، شهادات جامعية؛ تزين الجدران، أزمات اقتصادية، طائفية، فساد ليس له مقياس، غلاء معيشي، رواتب مخزية، فيروسات مرئية وغير مرئية …  ومع كل هذا؛ أستيقظ أرتدي ابتسامتي وأقف على إرادة لا تُقهر ثُم أخرج إلى العمل بملء النشاط رغم أنف الحياة.

أساند المرضى، وأضمد جراحاتهم، في حين أن جرح قلبي لازال مفتوحًا، ينزف بكاءات لا يسمعها سوى الله، غياب الأب يكسر الظهر، ويجعل الإنسان يمشي معطوبًا بقية العمر، كيف له أن يغادرني؛ وهو لم يشاركني جل ما تمنينا، لله أرواحنا التي نختزنها في جوف الجسد، لله كل ما كان، وما سيكون، لله نحن..

جاء يومٌ غريب الأطوار بكل تفاصيله، قررت أن أغادر المنزل، وأتبع قلبي حيث يسوقني، صادفت رجلًا مسنًا، يرتدي قميصًا خردليًا مهترئًا، يعكس لون الشمس في عينيه العسليتين، وجينزًا فاتحًا، يغطي الشيب رأسه، فيزيده وقارًا ، يمتلك بساطًا صغير الحجم؛ لونه زيتي، يفرد عليه الورد والكتب، ليبيعها بأسعار زهيدة، فيبدو لوحة فنية تستحق التأمل، كانت نظراته غريبة، حزينة، تتكلم رغم صمتها الدائم.

يلوح بالورد للمارين على الرصيف، فليشتر أحدهم باقةً أو كتاباً، وينفعه إلى أن اقتربت منه، وقلت له بصوت مندفع : بأديش الكتاب عمي؟ لم يجيبني، صمت قليلًا، طويلًا، ربما لم يريد أن يأخذ مني ثمنه.. ثم اقتربت منه قلت له بصوت خافت: ألم تسمعني عزيزي؟ هل أنت بخير؟ سرعان ما انهمرت الدموع على وجنتيه!

يا إلهي سؤال واحد فعل كل هذا! هل بات سؤال الإنسان عن أخيه الإنسان؛ يملي عليه البكاء ؟!

كيف حصل..

ما بك؟ هل أزعجتك بسؤالي؟! عذرًا يا عم ..

صرت أعتذر منه وأخفف عنه وطأة هذه النكبة، شعرت وكأنني افتعلت جريمة !

أجابني وعيونه تبرق من الحزن والفرح في آنٍ واحد: “أبكي، لأنني لم أسمع هذا السؤال منذ زمن بعيد يا ابنتي”.

كيف استطعت أن أجعله يعيش تناقض المشاعر في لحظة، رجل مُسنّ، يعيش أيامه على حافة الأمل، بين حشد من الورود الصادقة، والكتب الناطقة، يشاهد مرور البشر ذي الضمائر الصامتة، لا يسمع كلمة طيبة ولا يلوح له أحدٌ بيده، رُبما بات الناس حملون همومًا فوق طاقتهم، ولم يعد بمكانهم الشعور بالآخرين، لأن إحاسيسهم تكالبت عليها الذئاب الشرسة، فكان قوت يومها، وهذا ما جعل الدمعة سيدة الموقف، دمعة تبتسم في وجه الحُزن، لتقول:

” لسا الدنيا بخير طالما الناس بتسأل عن بعضها!”.

وفي المركز الثاني: رايات مغبرة 

بقلم : د. هبة الحشيمي عقل

 دقت أجراس الكنائس وسمعت أصوات المآذن، لاح شبحي في هذا العالم صورا متراكمة متسارعة، مررتّ على شاطئ عصفورٍ مكسورٍ، تعب من الصعود فوق الهضاب والانتقال من غصن إلى غصن، ليفتش عن ثمرٍ علٌق في شجرة الشتاء، فنسيت الرياح مصارعته. جسدي بين رمادٍ يفتش عن وطنه عن بساتين وعن سفوح وعن سَواقٍ.

بزغ نورٌ في عروق عيناي لأثبت وجودي، بوقتٍ تسلل شبح الموت إلى وطن ضرير، يخبط ما يحيطه لينجو بطريق التنجيم بما يملك من بقايا العمر.

بارك صدى الأصوات أرضأ، شهدت على حضارات علّمت الشعوب معنى الحروف والديانات، أرض تصطخب بها الحياة كقيامة تموزيات في جسدٍ أحرقته ضمائر المسؤولين.

تعثر الهواء بالمشي ودنا من شرفات المنازل، ومن ملاعب الأطفال ليتطاير اللاعبون، ويتساقط من في داخل الشرفات، ودعامات البنايات تتكسر لتتساقط على المارة.

حاولت أن أحدق بين ضباب الدماء مع رعشة جثتي المندثرة بين صخب الأصوات ومتاهات الصحارى، بين عواء الرعب ومواء الخوف. لم أجد فريق اللاعبين الذين مازالوا ينتظرون سقوط الكرة في السلة، فتناثر علينا الزجاج الممزوج بالاسمنت المتطاير بسبب  تلك الريح الصرصر العاتية.

فأذهلت، وحاولت أن أستدل عنواني الذي تاه بين عزف الموت وصفير الاسعافات، وتأوّه الجرحى، فتعرفت على الكرة المدممة المتدحرجة المتراقصة على جثث الشباب. تلك السلة التي طعنت الفوز لصالح الغياب، وتبصرت الرؤية على نور القمر، الذي اتطلع على قصة وريدي المحترق من حرقة القلب.

أوصل دوي الانفجار النهار بالليل، ذاك الصوت المتخثر أعطى شغف قيامتي، فلم أشته الحياة، كما  في ذلك الوقت الذي شارف على الانتهاء. فغروب الشمس رسم لي غروب حلم غدي، فغديت الأوحد رغم زحام المارة المهرولين إلى المستشفيات. مددت يدي لألمس أنسجتي، فكانت تورق في الهواء دما أحمر قاتم اللون، سبقتي بالنطق عن حالها قبل أن أسألها، فأبحر خيالي بنيران هول الانفجار الذي لاح لي من بعيد أدركت حينها، كيف احترقت سطور الوطن وأصبح تحت رماد الفساد. نجمٌ ثلجي يكمل معي محاورة التبصر فتمدد سير اللحظات إلى ليل دامس، أقتطف به صلواتي وبريق نبضٍ في الدنيا. فأشعل قنديلا من نسج عروقي من بعض الأدعية التي أسمعها عبر المذياع، فأرمي شهيقي لأصمد مدة أطول، وتصعد مني  مناجاة لأتطبع رواية فوق الورق، تورق أملا ينطق للورى أني هنا.

رحت ابتاع بين الأصوات أحلامَ أنفاس نرجسية علّ أحد المارة يساعدني، لكنه يوم عسير تسير الأنفس إلى أسفار لا تعرف طريقها، وجوه مرهقة متعبة مصفرة ترهقها غبرة. اهتزت أهدابي مذهولة، أطفالا شيوخا نساءا شبابا قطفهم الدوي قطفا، بعد ثلاث ساعات، وصل أحد الشباب الذين يفتشون عنا، ووجدوني مرميا على الأرض أتنشق آخر زفرات الحياة، حملني معه إلى المشفى ولكن سقطت يدي اليسرى وهوت معها هويتي واسمي وعملي ومن أكون؟

يكمل الصخب بطريقة أكبر في ممرات المشفى، ورعشة التأمل تسيطر على الخوف الأكبر، تشعل بي صور الطفولة والمعلمات وصريخهن في الصفوف، صور الملاعب والطابات، صور الحدائق والبنايات، تمضي سريعا وتختفي ويبقى القلب مصروعا مستأنسًا بجحيم إنساني متأبلس، فمضيت على ذاكرة النسيان نهائيا، لم أعد أستطيع أن أذكر هويتي أو حتى عائلتي أو عملي. حاولت السفر في تواتر الصور العشوائية غير المرتبة لطريق عودتي مع أسرتي لكن دون جدوى، لم أستطع خرق نفسي بالتعرف عليها، لم أستطع خرق الهواجس والقلق.

فرسخت صورة الشفق المغبّر، وصورة يدي المبتورة، وصورة أنفاسي المرهقة. أُصطحبت بعد فترة من المشفى مع اناس جدد بالنسبة لي ، قالوا هم أهلي وإخوتي، كأنني أعيش خطايا غيري، وأنا في توبتي الأبدية، لأن دولتي موجودة بين أوردتي، حراسها الأمل والعدل ، فلملمت وجودي من داخلهم وتصارعت مع أدغال حياتي، لأبحث عن يدي التي ستحررني من يدي، وأصادق نبضات غيمة تنسج مع الهواء غيثا.

مبارك للفائزين، وشكرا للمشاركة بشرى محمد الموسوي على النص الذي أرسلته باللغة الانكليزية، نلتقي في الموسم القادم على خير.

 

 

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى