الـمـشـتـــرك الـلـفـظـــي فــي الـلـغـــة الـعــربـيـــة..
خاص “المدارنت”..
كما يتـّسعُ التعبير في العربية بالترادف، فإنّه أيضا يتـّسع عن طريق الإشتراك اللفظي، بغض النظر عن إشكالية وروده حقيقة في اللّغة أم المبالغة في الإفادة منه. إنّ الكثرة في إستعمال الترادف تظهر أيضا في المشترك اللفظي.
عرف أهل الأصول المشترك اللفظي، بانه “اللفظ الواحد الدّال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة” (المزهر)، مثال ذلك كلمة “عين” في استعمالها كعين الماء، وعين المال، وعين السحاب، من هنا يظهر أن المشترك اللفظي هو ما اتحدت صورته واختلف معناه. وهذا أمر لا تنفرد به العربية فقط، ولكنه كالترادف أوسع استعمالا في لغتنا الكريمة من سواها.
اتفق علماؤنا القدماء، على وجود المشترك اللفظي في اللغة، وذكروه في مؤلفاتهم، وعلى رأسهم سيبويه وابن فارس وردّوا أسبابه إلى مسألتين: الأولى، القلب المكاني، مثال قلب خطا (سار) إلى خاط (الخياطة) فأعتبروه مشتركا. والثانية، التغيير في المعنى كلفظة الأدب (الخلق) والأدب (الفن الأدبي)، أو التوجيه (للإتجاه) أو التوجيه إلى حاجة ما.
أضف إلى ذلك اسباباً تتعلق بالبيان، كالتشبيه والإستعارة وغيرها، مما لا يتسع المقام لذكرها. كما عزا علماؤنا القدماء ذلك ايضا، الى اختلاف اللهجات، فالكلمة المختلفة في لهجتين، ليست من المشترك، أنما وجب أن يكون استخدامها في لهجة واحدة، كما لم يغفلوا ما لسياق النّص من أثر في اظهار الإشتراك اللفظي.
أما المحدثين من علمائنا، فلم ينكروا هذه الظاهرة، ولكنهم ضيّقوا استعمالها ووقوعها، وعلى رأسهم ابراهيم أنيس، الذي اعتبر أن المشترك اللفظي الحقيقي يكون (حين لا نلمح أي صلة بين المعنيين)، مثال كلمة “الأرض”، ومعناها الكرة الارضية، كما أنها الزكام، وكلمة “الخال “، ومعناه أخو الأم، والشامة، والأكمة الصغيرة. وقد جعل من التطور الصوتي، والتعبير المجازي اسبابا لظهور المشترك اللفظي.
تكمن في المشترك اللفظي ايجابيات جمّة، منها: استغلالها هذه الالفاظ في إضفاء الغموض المتمثل بالجناس والتورية على النّص، ما يحفز القارئ على تدبر المعنى، وتمكيـن الكاتب من استعمال المجاز اللغوي، الذي يضفي على النصوص الأدبية الحيوية والإشراق، والمساهمة في سدّ ثغرة معجمية، مثال قولنا عنق الزجاجة ورجل الكرسي.
كما كل شيء، للمشترك اللفظي سلبيات، تظهر في تشويش الفهم وصبغ المعنى بالغموض، ولهذا كان لا بد من إجراءات تضع حدا لهذه الإشكالية، تتمثل بأن تستعمل الكلمتان في المجال اللغوي نفسه، والفترة الزمنية ذاتها، وأن تكونا من النوع الكلامي الواحد، فلا خلاف ينسب بين الإسم والفعل أو المفرد والجمع. فكلمة دقيق تستعمل صفة في “كلام دقيق”، وتستعمل اسما في “استيراد الدقيق”، وكلمة “قدْح”، الإسم غير الفعل “قـَدَحَ “، و”ثعبان”، أي الأفعى، غير “ثعبان” وهو مسيل الوادي، كما الإعتماد على السياق أو القرينة الخارجية لتحديد المعنى المراد، مثال ذلك، تغير معنى كلمة عين في الجمل الآتية: “تفجرت عين الصحراء”، وهي غير “دمعت عين فلان”، وغير “عين المال”، ومنه على سبيل التوضيح تغير معنى كلمة “جذر”، بين المزارع واللغوي وعالم الرياضيات، فالأول هي بالنسبة له قسم من النبات، والثاني أصل الكلمة، والثالث تتعلق بمضاعفة العدد.
كما الترادف، يشكل المشترك اللفظي مادة جدلية تتعلق بوجوده أم لا، وبإتساع أو ضيق استعماله بين القدماء والمحدثين، لكنه لا شك يسهم في إغناء وإثراء اللغة العربية، ويظهر سعة هذه اللغة، واتساع استعمال مفرداتها، وفق السياق النـّصي، بمرونة تؤدي اتساعاً في المعاني.
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=