“الموساد” يخترق الدفاعات الإيرانيةّ!
“المدارنت”
قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن عملية (الأسد الصاعد) استغرقت سنوات من التحضير، وهي تتويج لبحث وتخطيط دقيقين، قام بهما كل من الجيش الاسرائيلي والموساد وقطاعات الدفاع الإسرائيلية. وكشفت مصادر أمنية إسرائيلية كيفية تسلل قوات كوماندوز من عملاء الموساد إلى إيران حاملة «أسلحة خاصة» لتدمير دفاعات طهران، بينما كانت الطائرات المقاتلة تحلق في سماء المنطقة.
لأكثر من عقد من الزمان، حاولت إسرائيل، بدرجات متفاوتة من النجاح، إبطاء وعرقلة تقدم البرنامج النووي الإيراني، إذ اغتيل علماء إيرانيون في ظروف غامضة على يد مهاجمين مجهولين، وقُتل المسؤول الأول عن البرنامج النووي، العميد فخري زاده، بمدفع رشاش تم التحكم به عن بُعد عن طريق الأقمار الصناعية على طريق مهجور بالقرب من طهران عام 2020. وقبل ذلك، تمكن خبراء الإنترنت الأمريكيون والإسرائيليون من اختراق شبكة منظومة البرنامج النووي الإيراني، وإدخال فيروس مدمر، يُسمى ستوكسنت، في حاسبات أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، ما تسبب بخروجها عن السيطرة لمدة من الزمن.
مع ساعات الفجر الأولى ليوم الجمعة 13 يونيو، لم يستهدف سلاح الجو الإسرائيلي مواقع مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني فحسب، بل استهدف أيضا الدفاعات الجوية وقواعد الصواريخ الباليستية في إيران، ما قلل من قدرة إيران على الرد، على الأرض وفي الخفاء، أفادت التقارير بأن شبكة العملاء العاملين لدى الموساد، ساعدت في تحديد مواقع شخصيات رئيسية في كل من القيادة العسكرية والأمنية والعلماء النوويين بدقة.
لجأت إسرائيل هذه المرة إلى ما يبدو أنه «استراتيجية قطع الرؤوس»، التي استهدفت فيها شخصيات رئيسية في النظام، وأشارت معلومات استخباراتية إسرائيلية إلى استهداف عدة عناوين في طهران، حيث يُحتمل أن يكون كبار المسؤولين نائمين عند استهداف منازلهم، بما في ذلك شارع لانجاري وشارع باتريس لومومبا. وأكدت وسائل إعلام إيرانية مقتل العالم النووي فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، والفيزيائي الإيراني ورئيس جامعة آزاد الإسلامية محمد مهدي طهرانجي. كما استهدف الهجوم عدة مواقع، بما في ذلك منشأة التخصيب النووي الرئيسية في إيران في نطنز، حيث شوهد دخان أسود يتصاعد في الهواء. وفي وقت لاحق من الصباح، قالت إسرائيل إنها دمرت أيضا العشرات من منشآت الرادار ومنصات إطلاق الصواريخ الأرضية-الجوية في غرب إيران.
كما قُتل عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين في الضربات، بمن فيهم الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني، واللواء محمد باقري رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، وغلام علي رشيد قائد مقرِّ خاتم الأنبياء المركزي، وأمير علي حاجي زاده قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري. إذ تمكّنت إسرائيل من خداع بعض كبار القادة الإيرانيين للتجمع في اجتماع قبل استهدافهم، وفقا لتصريح مسؤول إسرائيلي لشبكة «فوكس نيوز». وصرح مصدر أمني إسرائيلي لصحيفة «واشنطن بوست» بالقول: إن»عملاء من الموساد، بدأوا بالتسلل إلى قلب إيران قبل عدة أشهر لتنفيذ هجوم مفاجئ يهدف إلى تدمير المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، بالإضافة إلى قتل مجموعة من كبار القادة العسكريين وعلماء البرنامج النووي الإيراني. وقد زرعت وكالة التجسس طائرات مسيرة متفجرة داخل إيران مُسبقا تمهيدا للضربات الكبرى».
وقال ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في مركز الأبحاث الروسية: «إن اتساع نطاق هذه الضربات – التي استهدفت مسؤولين إيرانيين كبارا بالإضافة إلى مواقع نووية – يشير إلى أن هذه العملية لا تهدف فقط إلى ثني إيران عن السعي لامتلاك أسلحة نووية، بل أيضا إلى شل أي رد عسكري محتمل، بل وحتى إلى زعزعة استقرار النظام». وأشار موقع أكسيوس إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا تتوقعان ردا سريعا وعنيفا من إيران في ليلة الهجوم. لكن يبدو أن مناورات مُحكمة التخطيط نفذها عملاء الموساد والطيارون الإسرائيليون حالت دون تمكن القوات الإيرانية من الرد، ونتيجة الصدمة والفوضى التي سادت الجانب الإيراني، ساد الصمت طوال تلك الليلة.
في تفاصيل ما حدث اتضح أن الضربة الإسرائيلية الاستباقية قادت إلى اجتماع قادة سلاح الجو التابع للحرس الثوري الإسلامي في مخبأ لتنسيق الرد. لكن إسرائيل كانت على علم ببروتوكول الطوارئ هذا، وبموقع المخبأ. فدمّروه بضربة مفاجئة، ما أسفر عن مقتل الجنرلات الإيرانيين الكبار. وصرح مسؤول إسرائيلي: «لم يعد هنالك من يُصدر الأمر، ما أدى إلى تحييد الرد الإيراني الفوري». إذ كان هؤلاء من بين أكثر من عشرين قائدا إيرانيا استُهدفوا في هجوم واسع النطاق على القيادة والسيطرة العسكرية الإيرانية. وقد تم القضاء على قادة الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني، ومقر الطوارئ العسكرية الإيرانية في الهجوم الأول. وقد صرح مصدر أمني إسرائيلي بالقول؛ إن «العملية كانت تدميرا مُستهدفا ومُتعمّدا لمركز القيادة والتحكم الإيراني»، وأضاف المصدر: “لقد كانت هذه الليلة ليلة تدمير عسكري شامل، ولها دلالات قوية على تغيير النظام الإيراني».
كان من الأهداف الرئيسية الأخرى أنظمة الدفاع الجوي والرادارات الإيرانية. إذ حددت الموساد مواقعها، وأصاب سلاح الجو الإسرائيلي معظمها في الضربة الافتتاحية، وقد منح ذلك الطيران الإسرائيلي حرية عمل شبه مطلقة في سماء إيران. في هذه الأثناء، على الأرض، كان جهاز الموساد يُنفذ سلسلة من عمليات التخريب السرية في عمق إيران لتدمير الدفاعات الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ الباليستية، إذ شارك في العملية عملاء الموساد داخل إيران، بما في ذلك وحدة خاصة من العملاء الإيرانيين العاملين لصالح الموساد. كما نشرت وحدات كوماندوز من الموساد في وسط إيران أنظمة أسلحة موجهة في مناطق مفتوحة بالقرب من منصات إطلاق صواريخ أرض – جو إيرانية.
وفي منطقة أخرى داخل إيران، نشر الموساد سرا أنظمة أسلحة وتقنيات متطورة مُخبأة في مركبات. وعندما بدأ الهجوم الإسرائيلي، أُطلقت هذه الأسلحة ودمرت أهدافا للدفاع الجوي الإيراني. وقد نشرت مواقع وقنوات اسرائيلية لقطات نادرة تُظهر عملاء الموساد وهم ينشرون أنظمة هجومية دقيقة داخل إيران. وقالت سيما شاين كبيرة محللي الموساد السابقة والباحثة حاليا في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن «بعض عناصر هذه العملية استغرق سنوات لتجهيزها». وقد أشار بعض المراقبين إلى أن نشر الموساد اللقطات التي أُظهرت عملاءها وهم ينشرون ويفعّلون أنظمة لتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، كانت الغاية منه الإشارة إلى ضعف طهران وردع أي رد فعل قاسٍ.
وتُجمع العملية، التي يقول المسؤولون إنها استغرقت سنوات في التحضير، بين تخطيط دقيق وجمع معلومات استخباراتية مكثفة، ونشر قدرات متطورة سرا في عمق الأراضي الإيرانية. كان جوهر العملية تعاونا وثيقا بين الموساد ومديرية الاستخبارات العسكرية، التي أعدت ملفات استخباراتية مفصلة أتاحت توجيه ضربات دقيقة، قضت على شخصيات رئيسية في المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية الإيرانية وعلماء البرنامج النووي. إلى جانب هذه الجهود، استهدفت حملة سرية موازية ترسانة الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية، وأنظمة دفاعها الجوي. وفي مسار خطير، أشارت مصادر إسرائيلية إلى أن عملاء الموساد كانوا قد أنشأوا قاعدة طائرات دون طيار بالقرب من طهران قبل العملية. وقد أُطلقت طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات ليلا باتجاه منصات إطلاق صواريخ أرض-أرض في قاعدة أسفج آباد، إحدى أكثر المواقع تهديدا لإسرائيل.
واستمرارا للتنسيق رفيع المستوى للحملة، خاطب رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء شلومي بيندر، الأفراد صباح الجمعة 13 يونيو في مخبأ قيادة سلاح الجو، الذي تم من خلاله تنظيم الهجوم المتزامن على القيادة العسكرية العليا لإيران. وأشاد بيندر بدور وحدته في إحراز تقدم في المهمة، قائلا: «لقد بذلت الاستخبارات العسكرية، جهودا حثيثة لإيصال التحذير بشأن التقدم النووي الإيراني، وهي على أهبة الاستعداد لهذه المهمة وفي حالة تأهب قصوى لتدمير كل القدرات النووية والعسكرية الإيرانية لإيقاف التهديد النووي وما يمثله للأمن القومي الإسرائيلي».