“الناصرية” في الفكر السياسي..
خاص موقعيّ “المدارنت” و”ملتقى العروبيّين”
ليست الناصرية عاطفة عشق لشخص (الزعيم العربي الراحل جمال) عبد الناصر، ولا مجرد مرحلة سياسية عابرة، وفي تصويرها كذلك محاولة لطمس الخط الفكري السياسي للناصرية، لذا لا بد من التأكيد على مكونات ذلك الخط الفكري – السياسي:
أولا: استقلالية القرار السياسي ورفض التبعية.
ثانيا: العروبة الحضارية المنفتحة على العصر كرابطة من أجل المستقبل.
ثالثا: العقلانية السياسية.
رابعا: رفض مشاريع الهيمنة على المنطقة العربية والعمل لبناء مشروع عربي.
خامسا: الاستناد إلى الشعب كمصدر لشرعية الحكم.
سادسا: عَلمانية غير معادية للدين.
تلك هي أهم مكونات الناصرية السياسية التي تعرضت تجربتها السابقة للنقد بمسألة الديموقراطية، والحريات العامة بما في ذلك حرية تشكيل الأحزاب ونشاطها وحرية الصحافة وحرية الرأي وحقوق الانسان من داخل التيار الفكري الناصري.
كفكر سياسي قابل للنقد والتطوير وليس كأيديولوجيا مكتملة التكوين، تعرض قادة سياسيون ومفكرون ناصريون وقريبون من الخط الناصري، بالنقد للمرحلة السابقة على النحو السابق ومنهم د. جمال الأتاسي والياس مرقص وياسين الحافظ.
كتب جمال الأتاسي في ”إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبد الناصر وعلى فكره الاستراتيجي والتاريخي”، متحدثا عن مرحلة ما بعد هزيمة حزيران 1967: ”لعل الخطأ الكبير الذي وقع به نظام عبد الناصر، والأدوات التنفيذية لسلطته الثورية، كما وقعت به ثورات ونظم ثورية أخرى، هو أنها لم تساعد على تفتيح هذا الوعي النقدي، أيّ تقدم الوعي الثوري عن طريق النقد المتواصل للتجربة الثورية في مساراتها كلها، ولم تعمل على خلق أدوات مثل هذا الوعي الجماعي، الذي يصنع حيوية الثورة وتجددها المستمر، فضلاً عن أنها في عدد من مراحل هذه الثورة، عملت ضد تفتح هذا الوعي النقدي وأدواته”.
ومن العام إلى الخاص: ”… ذلك أن هذه القصورات كانت مرتبطة بقصورات الجانب الديموقراطي في التجربة. وهذه مسألة أساسية تستحق أن نقف عندها، لأن الإجابة عليها هي التي تضعنا على طريق تكملة ذلك” المشوار” الذي انقطع”.
ما هي تلك القصورات؟
في عام 2000 ألقى د. جمال الأتاسي، كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثامن لـ”حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي”، قال فيها: ”ما كانت قضايا الديموقراطية، وتعميم الثقافة الديموقراطية، والحوار والتعددية وتكريس مبادئ سيادة الحق والقانون في الدولة والمجتمع وغيرها.. هي شاغلنا وشاغل أحزابنا الثورية في الخمسينات والستينات، بل فكر الثورة والاستقلال الوطني والتحرر القومي والتقدم الثوري، وحرق المراحل تقدميا لتقوى على مواجهة أعداء الأمة والقوى المعادية لتقدمها”.
يعترف الأتاسي بقصور نظرة الناصرية سابقا، وعدم إعطائها مسائل مثل الديموقراطية وسيادة القانون.. الخ.. الاهتمام الضروري، وهو بهذا يقول بضرورة تطوير الناصرية، نحو إدخال تلك المسائل في صلب مهام الكفاح السياسي.
ينظر الياس مرقص، بتقدير لمهام المرحلة “الليبرالية” التي أنجزها الغرب، ولم ننجزها حتى الآن، مع ذلك فهو يحذر من “ليبرالية” نخبوية، قد تنزلق في ازدرائها للشعب إلى تخوم الفاشية.
في مقالة الياس مرقص عام 1985، تحت عنوان: ”أطروحات من أجل إصلاح الفلسفة”، يقول: “يجب الانتقال من “الليبرالية” النخبوية، ومن تنظير التلاعب بالبشر إلى الديموقراطية. ليست “الليبرالية” هي الشيطان.. “الليبراليةُ”، لها ما لها وعليها ما عليها. لنقلْ إنها مرحلةٌ تاريخية ومنطقية…
المثقف العربي النموذجي، لم يفهم هذه القضية في يوم من الأيام، لم يفكر في تاريخنا الأخير. كأنه يريد ديموقراطيةً لنفسه، ديموقراطيةً من دون قاعدةٍ جماهيرية، نهضةً ليس أساسُها مجموعُ الأمة، نهضةً أساسُها شطر من الأمة هو “المجتمعُ الحديث”، داخل كل قطر (فعصر الإمبريالية والنهضة والحركة الوطنية و”الليبرالية”، انتهى إلى شَطْرِ كلِّ مجتمع عربي إلى مجتمعين: حديث وتقليدي). و”الليبرالي” العربي يمكن أن يتحوّل إلى ما يشبه الفاشستي على قاعدةِ نخبويَّته ذاتها”.
من المناسب أن نلاحظ أن العقلانية التي اتصف بها ذلك التيار، هي التي أعطته القدرة على التطوير عن طريق النقد.
مما سبق، يمكن التوصل إلى أن “الناصرية”، ليست التعلق بشخص عبد الناصر، كما يهاجمها شعبويون وحاقدون على المرحلة “الناصرية”، لأسباب حزبية تحمل الروح القبلية أو مصالح اقتصادية فئوية أو “ليبرالية”، ذيلية، تتعبد في محراب الغرب، وإنما هي تيار فكري سياسي قابل للنقد ومراجعة أخطاء المرحلة السابقة وتمثل المفاهيم السياسية الديموقراطية والليبرالية.