الوعي الحقوقي.. الجزء “1”
//خاص المدارنت//… أولاً: المقدمة والتمهيد
من دون الدخول في جدلية التعريفات المختلفة لكلمة “وعي”، لغوية كانت أم إصطلاحية فلسفية أو نفسية أم نفسانية، وغيرها من التعريفات الأخرى، ومن دون الدخول في جدلية الأنواع والأصناف المختلفة للوعي، ومكوناته المختلفة، والأشياء التي شكّلته وتشكّل وفقاً لها وعلى أساسها، وفي إطارها وكنفها وتحت رعايتها.. وكذلك أهمية الوعي عموما، ومدى تأثيره على حياة الإنسان الفرد والإنسان المجتمع والشعب والأمة، بل العالم أجمع.
من دون الدخول في ذلك كله وأكثر، في ما يتّصل ويتعلق بالوعي، فإنه يمكن القول عموما أن وعي الإنسان الفرد أولا، ومن ثم وعي الإنسان المجتمع والشعب والأمة، هو الذي يحدد كل ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال وسلوكيات وتصرفات، ونظرتهم إلى أنفسهم أولاً وإلى الآخر ثانياً، ومن ثم تعاملهم مع كل ذلك.
الإنسان الفرد، هو الكائن الوحيد الموجود الذي يملك ويمتلك الوعي، كما يرى ذلك الفيلسوف الألماني هيجل، وذلك لما له من مدارك عقلية معرفية فكرية تفكيرية، تجعله يعي ذاته. بمعنى، أن الوعي هو الذي يجعل الإنسان الفرد يعي ذاته عبر تفكيره فيها. أما أنواع وأصناف الوعي المختلفة، فيمكن تصنيفها عموما، وذلك بحسب إيجابية أو سلبية ما يصدر عن ذلك الوعي، وينتج عنه ويترتب عليه إلى صنفين:
الصنف الأول: الوعي الإيجابي (الأخلاقي).
الصنف الثاني: الوعي السلبي (اللأخلاقي).
وكل الأنواع والأصناف الأخرى للوعي، من سياسي واجتماعي وثقافي وديني وحقوقي… إلخ. تدخل إما في خانة تلك الإيجابية أو تلك السلبية، وبدرجات متفاوته داخل كل واحد منها، بدرجة أقل أو أكثر من تلك الإيجابية وتلك السلبية، ومن أهم تلك الأنواع والأصناف التي تمسّ الإنسان الفرد أولاً مسًا مباشراً في حياته اليومية، والتي تتصل وتتعلق بها، وتحدد مصيرها، ونوعية العلاقة بينه وبين مجتمعه، بخاصة السلطة الحاكمة فيه، هو وعيه لحقوقة الإنسانية، سواء داخل الأسرة أو المجتمع، والأهم من ذلك، تلك الحقوق التي يجب أن تعطى له من قبل تلك السلطة الحاكمة في المجتمع والبلد، وهذا ما يسمى “الوعي الحقوقي..”.
فإيجابية أو سلبية ذلك الوعي الحقوقي للإنسان الفرد، وبدرجة أقل أو أكثر أو جانب من الجوانب المختلفة له منهما، هي التي تحدد تلك العلاقة بينه وبين تلك السلطة، ومدى حصوله من عدمه على تلك الحقوق، بل انتزاعه تلك الحقوق انتزاعا من قبل تلك السلطة، وذلك في حال رفضها الاعتراف بها ومن ثم إعطائها له، وعدم التجرؤ من قبلها على عدم الاعتراف بها، وإعطائها ومن ثم المساس بها. فالوعي الحقوقي الإيجابي من قبل الإنسان الفرد، هو الوسيلة الوحيدة والأداة النافعة لانتزاع تلك الحقوق، وهو الضمانة الوحيدة لبقاء تلك الحقوق واستمراريتها، وعدم المساس بها.
وعليه: فإن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا، والمتعلقة بذلك الوعي الحقوقي هي:
ما هو تعريف الوعي الحقوقي؟ وماهي سماته وخصائصة؟ وما هي مظاهرة؟ وما هي أهميته؟ وما هي المعوّقات والصعوبات التي تقف حجرة عثرة أمامه وتعترضه؟ وكيف يمكن صناعته في حال عدم وجوده وغيابه؟ والأهم من ذلك كلّه وجوهره، هو:
هل نحن كمجتمعات عربية بمختلف مكوناتها، أفرادا ونخبا، حكاما ومحكومين، سلطة ومعارضة، نملك ونمتلك ذلك الوعي؟ وهل فعلا نشعر ونحسّ بأن ذلك الوعي ينقصنا، وبأننا في أمسّ الحاجة إليه، وعياً قبل سلوكاً، وذلك وفقا لتعريف الحاجة من قبل الفيلسوف الألماني هيجل، حيث يعرّفها بقوله: “إن الحاجة هي وعي النقص، وما هي الأسباب والعوامل التي جعلتنا على ما نحن فيه وعليه، خصوصا في ما يتّصل بهذا الجانب؟
سنحاول التعرّض لتلك الأسئلة، عبر محاولة بسيطة ومتواضعة وموجزة، وبحسب الأرضية المعرفية المتواضعة، التي نزعم بأننا ونمتلكها، عبر الإجابة عنها في هذه السلسلة.
… يُتبع