الوعي الحقوقي الجزء “6”
//خاص المدارنت//... سادساً: كيفية صناعة الوعي الحقوقي
قبل الدخول في كيفية صناعة الوعي الحقوقي الإيجابي، لا بدّ أن أشير إلى نقطتين مهمّتين في هذا الشأن. النقطة الأولى:
إن الوعي الحقوقي ليس وحدة مستقلة عن الوعي عموماً، إنما يعتبر نوعاً من أنواعه، وجزءًا مهما من منظومته المتكاملة والكاملة المكوّنة له. لذلك، فإن عملية صناعة الوعي الحقوقي الإيجابي، تتم في إطار صناعة الوعي الإيجابي عموماً وبشكل عام ومتكامل، مع ما لعملية صناعة الوعي الحقوقي من خصوصيات تخصّه ويختصّ بها كجزء من العملية العامة، خصوصاً وأننا كأفراد ومكوّنات مختلفة للمجتمع العربي عموماً، نعاني من “وعي التخلف”، وليس من “تخلف الوعي”… إلخ.
النقطة الثانية: إن عملية صناعة الوعي الحقوقي كجزء من عملية “صناعة الوعي الإيجابي” عموما، ليست عملية سهلة وسريعة وبسيطة، لكنها عملية صعبة للغاية وشاقة، وتحتاج إلى وقت طويل وطويل، والى تضحيات جسيمة وعظيمة، وعزيمة قوية، وإرادة حديدية، وصبر وثبات، وقبل ذلك كله والأهم من كل ذلك، الإيمان الحقيقي واليقين التام بحتمية إنجازها، وللقيام بتلك العملية وإنجازها ونجاحها، لا بدّ أن تتوفر فيها شرطان أساسيان.
الشرط الأول: أن تكون مرتكزة على ركائز أساسية، وتمتلك السّمات والخصائص الخاصة بها، وتشمل كل مظاهرها، والتي أشرنا إليها سابقاً.
الشرط الثاني: أن تمتلك كل الشروط الذاتية والموضوعية، ولو بالحدّ الكثير منها، لإنجازها وإنجاحها، ولعل أهم تلك الشروط، بل جوهرها، هو الشعور والإحساس الحقيقيين، وعياً قبل سلوكاً، بأن تلك الحقوق تنقصنا، وبأننا في أمسّ الحاجة إليها لإشباع ذلك النقص، فالحاجة هي وعي النقص، كما يقول الفيلسوف الألماني هيغل.
وكذلك وجود وتوفر نخبة حقيقية للقيام بها وإنجازها وإنجاحها، وتكون على قدر كبير من تحمل تلك المسوؤلية الملقاة على عاتقها. في مقدمة طليعتها، يأتي أولئك المثقفون الإنسانيون الكبار.
تلك العملية، التي يكون الهدف منها والغاية المرجوّة منها، تجذير وتجذّر الوعي الحقوقي الإيجابي لدى الإنسان الفرد والإنسان المجتمع والشعب والأمة، عبر القيام بعملية نشر الثقافة الحقوقية، بأفكارها ونصوصها ودساتيرها، وكل ما يتعلق بتلك الحقوق، سواء كانت تلك الأفكار والنصوص والدساتير سماوية أو أرضية، في أوساط الأفراد والمكوّنات المختلفة للمجتمع والشعب والأمة.
تلك العملية لا بدّ أن تكون “عملية تفكيكية – إحلالية” في آن معاً، وتفكيكية للوعي السلبي، وإحلالية للوعي الإيجابي محلّه وبديلاً له. ولا بدّ لها أن تكون وتتم بطريقة تراكمية، عبر سلسلة من التوعية التراكمية والمترابطة في جميع المجالات الحياتية المختلفة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
أولاً: المجال الشخصي والأسري
إذ أن الإنسان الفرد، هو الوحدة الأولى الأساسية لبناء الأسرة والمجتمع، فصناعة الوعي الإيجابي للفرد، هي صناعة الوعي الإيجابي للأسرة، ومن ثم المجتمع برمّته، وفقا لقوله تعالى :
… “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”، صدق الله العظيم.
ثانياً: المجال المجتمعي الإجتماعي
وذلك عبر صناعة الوعي الإيجابي في أوساط المجتمع بمكوّناته المختلفة، وهنا تبرز أهمية منظمات المجتمع المدني، ودورها في تلك العملية “صناعة الوعي الإيجابي”، وذلك لما تتمتّع به تلك المنظمات، من إمكانيات بشرية ومادية، ولما يُفترض بأن يكون أعضاءها على قدر كبير من الشعور والإحساس الحقيقي بالمسؤولية القيادية الأخلاقية تجاه المجتمع، ولما يملكونه ويمتلكونه من خبرات متراكمة في هذا المجال، وكذلك، بما يُفترض أن يكونوا عليه من مستوى معرفي عالي، ومن تأثير على أعضاء تلك المنظمات، ومن ثم على المجتمع برمّته… إلخ.
ثالثاُ: المجال النخبوي
وذلك لأن النخبة، هي المؤهلة الوحيدة للقيام بعملية صناعة الوعي الإيجابي، وبخاصة النخبة الدينية منها، لما لها من تأثير حقيقي في أوساط المجتمع بمكوّناته المختلفة، فصناعة الوعي الإيجابي، هي صناعة النخبة الإيجابية”… إلخ.
رابعاً: المجال التعليمي
يعتبر التعليم هو حجر الأساس في بناء المجتمعات والشعوب والأمم المتحضرة والمتقدمة، ويمثل حداً فاصلاً بينها وبين المجتمعات والشعوب والأمم المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة، وبخاصة الديني منه، لارتباطه الشديد والوثيق بعقائد المجتمع، وتأثيره القوي على توجّهاتها ونظرتها ونمط وعيها وتفكيرها، ومن ثم السلوكيات الناتجة عن ذلك كله… إلخ. حيث يمكن اعتماد مادة خاصة بالثقافة الحقوقية كمكوّن من مكوّنات التعليم بشكل عام، خصوصاً في مراحله الأولى، تدرّس تلك الثقافة الحقوقية.
خامساً: المجال الإعلامي
إن لوسائل الإعلام، بمختلف مصادرها وتنوعها وأشكالها، مسموعة ومرئية ومقروءة ، دوراً مهما ومفصلياً في تشكّل وتشكيل الوعي الجمعي الإجتماعي عموماً، والنخبوي منه خصوصاً، للمجتمعات والشعوب والأمم، فإذا كانت رسالته ايجابية كان الوعي الجمعي الإجتماعي عموماً، والنخبوي منه خصوصاً للمجتمعات إيجابياً، والعكس صحيح… إلخ.
سادساً: المجال الحزبي
إن للأحزاب والتنظيمات السياسية، دوراً مهماً ومفصلياً في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب والأمم، التي تقع عليها المسؤولية الأخلاقية والاعتبارية لإخراجها مِما هي فيه وعليه، لذلك وجب بأن تكون الثقافة والتنشئة التي تشكل “وعياً حزبياً”، ويتشكّل وفقا لها، ونتيجة ثقافة وتنشئة حزبية إيجابية، حتى تشكّل وعيا حزبياً إيجابياً، يسهم وبقدر كبير ومهم في عملية “صناعة الوعي الإيجابي”… إلخ. ولا ننسى منظمات المجتمع المدني، ودورها الفاعل والفعال في ذلك.
تلك بعض من المجالات الحيوية المهمة، التي يجب أن تكون المجال الأول في عملية “صناعة الوعي الإيجابي”، من قبل المؤهلين للقيام بتلك العملية، ألا وهي “النخبة”.
إذا أردنا القيام بتلك العملية، فما علينا إلا العمل في إطار تلك المجالات سالفة الذكر، كل بقدر استطاعته وامكانياته وقدرته وقدراته ومسؤوليته، والدور المناط به، وحاجاته واحتياجاته ومطالبه ومتطلباته، وقبل ذلك كلّ بحسب موقعه وصفته، فقد آن الأوان لذلك… إلخ.
إن مصيرنا كأفراد أولاً، ونخباً ثانياً، ومجتمعات وشعوب وأمم ثالثاً، مرتبط ارتباطا وثيقا وعضويا بتلك العملية، فإذا أردنا أن ننتزع حقوقنا المسلوبة والمهدورة والمغتصبة، وأن نلحق بتلك المجتمعات والشعوب والأمم المتحضرة والمتقدمة، التي سبقتنا بقرون طويلة في إحداث تلك العملية. والقيام بها، والتي أوصلت الإنسان فيها وأوصلته أخيراً، عبر التراكمية التغييرية والتوعيية والتنويرية والحداثة، إلى ماهو فيه وعليه، ومن دونها ماكان لها بأن تكون كذلك الآن.
وإذا أردنا ذلك، فما علينا جميعاً إلاّ البدء الفوري والسريع ومن بدون تأخّر أو تأخير القيام بتلك. فهي مسؤوليتنا جميعا من دون استثناء، ما لم يكن ذلك، فإننا حتماً سنلاقي نفس المصير الذي لاقاه “أكاكي أكاكيفيتش” بطل رواية “المعطف”، للروائي الروسي الكبير غوغول.
… يتبع