تربية وثقافة
الى أبي في يوم الأب..
خاص “المدارنت”..
كبرتُ يا أبي، وفي عقلي اعتقاد أن كبري تسبب برحيلك. لذا ليتني ما كبرت، وليتك بقيت. ليتك ترجع، ليس لأعود طفلاً، يحرسه حنان أبيه، أبدًا.
بل لأنك وببساطة أبي.. والقضية لا تحتاج شرحًا، فالأبوة أكبر من مقاييس الرجولة والشيب والتجاعيد. ولا شيء يسد الفراغ الذي تتركه الأبوة.
ها أنا اليوم أراجع كل شيء. لأجدك لم تترك خلفك إلا كل جميل، وقد كنت لا أجد لك جميلًا في حياتك. غريبون نحن الأبناء، كيف كنا نحتمل أن نواجه حبكم بصلافة لا تطيقها أبوتنا اليوم.
نعم كنتَ شديد الغضب، وياله من غضب، كان يشعرني وأنا أب خمسيني، بأني ابن، عليه أن يتقي غضب أبيه.
فقد كانت ابتساماتك النادرة، بصيصها أثمن من قيراط من روحي. نعم كنتَ حريصًا ودقيقًا معي، لكنك كنت تجعلني أتلمس موطىء قدمي، قبل أن أخطو. كنت إذا حاذيت مكان نومك، أصعد الدرج على رؤوس أصابعي.
وإلى الآن أشعر بالذنب إن عدت متأخرًا ليلًا، وقد جاورت بابك، فأتسلق الدرجات خلسة، وعلى رؤوس أقدامي، لئلا توبخني.
أحيانا كثيرة أقلب الأرقام في هاتفي، فيستوقفني رقمك الذي لا زال مسجلا باسم (رقم أبي)..
فتنتابني رغبة الاتصال. وأستيقظ على وعي أنك لن تجيب! لقد علمتني الحياة يا أبي معنى أن أراك لأكثر من خمسين عامًا تلبس حذاء ممزقًا، وثيابَا رثة.
كما علمتني التجارب؛ لمَ كان بيتك يخلو من العفش الثمين؟ وقد اكتفيت ببساط بسيط، وفرشات اسفنج ومساند، وجعلت بيتك غرفة ضيوفك ونومك وطعامك وعبادتك.
لقد علمتني الأيام أن الآباء يكذبون إذا تحدثوا، وإذا تنفسوا، و إذا ضحكوا وإذا فرحوا، وإذا أكلوا، وإذا أعطوا أبناءهم. وأنهم لا يصدقون إلا إذا حزنوا، وبكوا فقط.
فلطالما أشبعَ الآباءُ ربعَ بطنهم. ولطالما جعلوا من أبنائهم أبطالًا في أحاديثهم، ولطالما ضحكوا، وفي أعناقهم ألف هم يشدهم إلا تحت.
ولطالما أعطوا، وقد كلفهم عطاءهم لنا أكثر مما يحتملون. كنت ترفع ظهرك رغم كل التعب والألم، لئلا أشيخ قبلك.
في يوم الأب، أقول لك: لم تكن أبًا خارقًا، لكنك كنت أبًا تحمل مسؤولياته بكل شجاعة ولم ينهزم في أي معركة خاضها لأجل أبنائه. لذا كان خبزنا قليل وجرحك كبير.