انتقام ترامب.. منعطف تاريخي خطير؟!
“المدارنت”..
انتصر دونالد ترامب، على كامالا هاريس، المرشحة الرئاسية الثانية في التاريخ الأمريكي، بعد فوزه عام 2020 على هيلاري كلينتون، وعلى أمريكا الآن، ومنطقة الشرق الأوسط، والعالم، تحمّل التكاليف الباهظة لهذا الانتصار.
استخدمت مجلة «نيويوركر» الأمريكية في تعليقها على الانتصار الثاني الذي يحققه الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد عنوان «انتقام دونالد ترامب» وهو يشبه ما ورد في افتتاحية صحيفة «لوموند» الفرنسية التي قالت إنه «يعود مدفوعا بغريزته السياسية ورغبته في الانتقام».
وعزت «إل باييس» الإسبانية فوز الأخير إلى «طريقته العدوانية والذكورية» بحيث نجح في توظيف الغرائز الوحشية وتمثّلها «وتغذية تعطشه للانتقام لتوليد جهاز هائل من المعتقدات في تعبئة انتخابية غير مسبوقة». ترامب، حسب هذا التحليل المعمّق، «هو الوحش الموجود داخلنا جميعا»!
انتصر ترامب رغم أن الأمريكيين خبروا حكمه السابق، وتفوّقت الغرائز التي تحرّكها، كما قالت التحليلات، وعوده بتحسين الاقتصاد ومواجهة الهجرة غير الشرعية، على أحكام المنطق والعقل، وصار سعر ليتر الوقود أهم من الديمقراطية نفسها التي يعرف منتخبوه أنه سيستخدم منصبه لتحجيمها والتلاعب بها كما فعل سابقا.
الأغلب، أنه مع هذا الفوز الكبير، فإن هذا الاتجاه سيتعزز لا في أمريكا فقط بل في العالم، أيضا بسبب إيمان ترامب، الذي لم يتغيّر، بأن الانتخابات الرئاسية السابقة قد «سرقت منه» وبأن كل ما يجري ضدّه (بما في ذلك الدعاوى القضائية التي ثبتت إحداها الحكم عليه، وحضوره المتوقع لمحاكمة أخرى خلال هذا الشهر) هو «مؤامرة».
مع هذا النجاح الكبير الذي حققه ضد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، ومع تحقيق حزبه الجمهوري الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، سيشعر ترامب بأن يديه طليقتان لتنفيذ أجنداته المتطرّفة داخل وخارج أمريكا.
سيشكّل انتخاب ترامب على المستوى الأمريكي، كما تقول هيئة التحرير في «نيويورك تايمز» «خطرا على حكم القانون، الدستور، الأعراف الديمقراطية والحاجة إلى حكم مستقر يمكن توقع قراراته» كما أن أوروبا، التي تمر أكبر دولتين فيها، فرنسا وألمانيا، بأزمات سياسية خطيرة، فتستعد لسنوات من الاضطراب نتيجة مواقف ترامب المعلومة من «حلف الأطلسي» وأوكرانيا، وروسيا، ودعم أنظمة اليمين المتطرّف، التي هلّل أهم زعمائها، فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، لفوزه.
كان بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، أول المهنئين لترامب بالفوز معتبرا ما حصل «أكبر انتصار في التاريخ» وكان لافتا، رغم هذه العلاقة الشخصية الحميمة بين الشخصين، وكذلك سوابق ترامب خلال ولايته السابقة بخصوص القدس والجولان والتطبيع والضغط على السلطة الفلسطينية، وسياساته الخطيرة ضد الشعوب العربية والإسلامية، أن كثيرا من الناخبين (وبعضهم تحمل صفحاتهم على وسائل التواصل أسماء مثل «غزة الحرة» و«فلسطين الحرة») أعلنوا صراحة تصويتهم لترامب، وأن عددا من القادة السياسيين والدينيين في أمريكا ساهموا في حملة انتخابه وحشد التأييد له، بل إن بعض مرشحيه العرب ضد مرشحين عرب آخرين أعلنوا صراحة تأييدهم لإسرائيل.
يصف باحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، نشاط مجموعات وأفراد لصالح ترامب بـ «تصويت النكاية» أو «الانتهازية» معتبرا من «يعول على ترامب كأنه يعول على أن يكون نتنياهو منقذا للشرق الأوسط» فترامب «لن يغير من موقفه الثابت والداعم لإسرائيل».
«انتقام ترامب» بهذا المعنى، ستكون له تداعيات خطيرة على الديمقراطية وحكم القانون في أمريكا نفسها، ولكن تأثيراته في بلداننا، والعالم، قد تكون أكثر خطورة بكثيـر.