بالإذن من الفيلسوف الروماني شيشرون!
خاص “المدارنت”..
==========
“نموت كي يحيا الوطن
يحيا لمن؟
لأبن الغني، يهتكه.. ثم يقاضيه الثمن؟!
نحن الوطن.. إن لم يكن بنا كريماً آمناً
ولم يكن حُراً..
فلا عشنا.. ولا عاش الوطن”!
الشاعر أحمد مطر
.. نحن من البلاد التي تهرب من التفاصيل.. تفاصيل الحياة.. نهرب خوفاً من أكتشاف الحقيقة.. حقيقة تفاصيل حياتنا في هذه البلاد.. الحقيقة التي تجعلنا نذهب مشياً على أقدامنا.. إلى مصحات الاكتئاب والأمراض النفسية.. ومستشفيات الأمراض العقلية المعدية.
كل نظريات الفساد الكمي والنوعي في لبنان الفساد الكمي والنوعي لم تُكتب في رسالة بعد.. ولم تُكتب في كتاب. تقول إحدى نظريات الفيلسوف الروماني شيشرون – مع التعديل لضرورات اللبننة – أن الفقير هو من يعمل ويبيع قوة عمله ليلاً نهارا، ويورّث من بعده أبناءه العبودية ذاتها.. والغني ما غيرو آكل البيضة والتقشيرة والبلد كلها يستغل الأول وهو جالس خلف مكتبه مادد رجليه في راحةٍ واسترخاء.. والجندي هو من يدافع عن الاثنين معا ويموت خلف مدفعه.. والمواطن الواطي حيطه هو من يدفع الضرائب عن الثلاثة مضروبة بثلاثة.. والكسول الاقطاعي البرجوازي هو من يعش في حياته على الاربعة ويزحف خلف اللهو على الأربعة.. والسكير جماعة الجماعة الحاكمة من يشرب على حساب الخمسة نخب الخمسة.. ومدير البنك حدّث ولا حرج… هو السارق للستة والسبعة والتسعة والمئة والألف والمليون ووو..
والمحامي والقاضي الفاسد خريج كلية البيضة والحجر هو من يغش على حساب السبعة.. ويبيع لفة النبي.. وصليب عيسى.. وعصا موسى.. والطبيب الغير أخلاقي والغير إنساني والغير حكيم هو الذي ينسى أو يتناسى (قسم أبقراط) أو ابو الأطباء.. هو الذي همه جمع الأموال.. هو قاتل الثمانية وخصوصاً الفقير والعامل والجندي.. أما حفّار القبور الرسمي هو من يدفن التسعة على وسعها دون تكفين العمال والجنود والفقراء والمساكين.. ودون اقامة مراسم الدفن وتقبل العزاء… والسياسي الفاسد والمفسد في لبنان – بعد إذنك يا عزيزي شيشرون – يلعب على الجميع.. ويستخدم الجميع.. ويعيش على حساب الجميع… نظرية شيشرون هي نظرية في السياسة والأخلاق وليس في السياسة والسرقات، تستند النظرية إلى فكرة مفادها أن الدولة هي أتحاد بين المواطنين وليس أتحاد ضد المواطنين.
هذا الإتحاد قائم على أساس العدالة والأخلاق وليس على الظلم والفساد… يرى كاتب وخطيب روما القديمة الفيلسوف شيشرون أن الدولة هي كيان معنوي وليس ملكية شخصية أو طائفية، وليس مجرد تجمع من الأفراد النصابين جماعة الثلاثة أوراق والزعماء الجوكر والقاشوش والشيشة والحشيشة المسيٌسة، فالدولة هي جماعة من الأشخاص الذين يشتركون في مجموعة من القيم والأهداف وليس تجارة بيع البلد بالمزاد والمزاج.. بالتقسيط والجملة والمفرق، ويتعاونون فيما بينهم لتحقيق هذه الأهداف.
ويعتقد عضو مجلس الشيوخ الروماني القديم الفيلسوف شيشرون أن العدالة هي أساس الدولة وليس العائلات الروحية والغير روحية الحاكمة والبخور الفاسد والدين الكاذب والطوائف والممل والدبابير السياسية التي تسرق النحل والعسل، فالدولة العادلة هي الدولة التي تحترم حقوق مواطنيها، وتحميهم من الظلم وليس تقتلهم في الطوابير وعلى أبواب المخابز والمستشفيات والمقابر…
كما يعتقد شيشرون الذي درس القانون الروماني على يد “كوينتس موسياس سكافولا” أن الأخلاق هي أساس الدولة – بعتذر منك يا خطيب روما نحن لدينا في لبنان طبقة سياسية حاكمة فاسدة بلا اخلاق – فالدولة الأخلاقية بالنسبة إلى الحقوقي شيشرون هي الدولة التي تسعى إلى الخير العام، وتمنع الفساد والانحلال.
وقد أثرت نظرية شيشرون بشكل كبير على الفكر السياسي الغربي والشرقي، وقد ظلت أفكاره مصدر إلهام للعديد من الفلاسفة والساسة على مر العصور بأستثناء سياسيي ولصوص وحثالة لبنان الذينا أضافوا على نظرية شيشرون نظريات لم تكتب بعد.. نعم، نظريات لم تكتب في رسالة أو في كتاب ولم تُقراء بعد، وخاصة في البلاد التي لا يحكمها الان مفهوم الحق والباطل ولا مفهوم الأخلاق والمبادئ والمثل العليا.. نحن في البلاد التي يحكمها مفهوم القوة والضعف، الذكاء والغباء، التكيف أو الاندثار.. لقد تحولنا إلى كائنات تفترس بعضها البعض مادياً ومعنوياً ونفسياً وحقوقياً!
نعم، يا حضرة الفيلسوف الكبير ماركوس توليوس شيشرون.. نحن من بلد منقسم على نفسه في أكثر من أتجاه ومحور ومفرق و غرزة وغريزة.. أكثر من لون وتلوين وعلبة ألوان من ماركات غير متجانسة.. وكأنها نسيج وألوان غيرها.. أكثر من أجندة مجندة من هنا.. وأجندة مجندة ومجلدة من هناك.. بلد لديه ما لديه مِن الألوان الباهتة والرخيصة.. ألوان فاقدة الصلاحية التاريخية مِن الأمراض المزمنة والمستعصية.. إلى التشخيصات البدائية.. إلى العلاجات في غرف عمليات ومختبرات غير إنسانية.. إلى الأدوية الفاسدة فاقدة الصلاحيات المهنية والوطنية والإنسانية… بلد الأعلام المرفوعة المتعددة من كل حدب وصوب وهاوية “حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون”… بلد الرايات الرخيصة الغير مفهومة والمهترئة والمتهالكة.. بلدٍ ألبسته زعامة طوائفه السياسية الملعونة الحاكمة ومشغليها من شياطين الأنس داخلياً وخارجياً معطفا فضفاضا جيوبه مثقلة بالحجارة من كل ألوان الحجارة والدبش العقائدي الذي أكل عليه الدهر وشرب..
نعم، ألوان الدبش وأحجامها ومصادرها، من كل أنواع العقائد المريضة والأيديولوجيات البالية التي ماتت قبل إن تولد.. بلدٍ يختنق فيه الإنسان كل يوم في الزفير مرة ومرتين في الشهيق.. نعم، وطناً يختنق الإنسان فيه في الزفير مرة ومرتين في الشهيق.. بلاداً يمنع فيها الشعر أو يحتكر الكلام كالشعير يا شيشرون كالشعير يقتلها الكذب والدجل السياسي والنقيق… نعم، بلدٍ يجلسون على صدره ويتحاورون ويكذبون ويتحاورون ويكذبون ويكذبون على صدره ويتركوه يغرق وحيدً.. يتركوه يغرق عميقاً في قيعان بحر الظلمات الذي لوثته وسرقت لونه كل أنواع السموم الفكرية المستوردة المسمومة.. وكل أنواع النفايات ومياه المجارير التي تدنس شواطئه العاجزة عن المقاومة أمام تسونامي الفساد الارتدادي هذا.. التسونامي القادم من أعماق القيعان المتراكمة.. المتراكمة على صدر الوطن!
يقول الفيلسوف الايطالي مكيافيللي: “ان درجة الصعوبة والخطورة في محاولتك تحرير شعب راضٍ بعبوديته هي أصعب بكثير من محاولتك إستعباد شعب حر”. نعم يا أمير فلسفة السياسة وفن الممكن من اجل تحقيق المستحيل، أصعب بكثير وخصوصاً حين يكون الشعب قد أدمن على عبودية تزرعها له الطائفية السياسية في جيناته قبل التكوين البيولوجي والولادة.. وتزرعها في عقله بعد الولادة…هذا القبول بالعبودية يعزز ما يشير إليه فريدريك نيتشه في قوله: “لا يتم خداع الشعوب إلا لأنها تبحث دائماً عن من يخدعها، أي عن خمرة تهيج حواسها وغرائزها.. وإذا حصلت على هذا الخمر فإنها ستكتفي بالخبز الرديء والفكر الرديء والأغاني الرديئة، حيث النشوة لديها أهم بكثير من الغذاء”.
فكيف الحال يكون في بلدٍ مثل لبنان يعيش على الخداع والخمرة المضروبة والطحين الفاسد في البلاد التي تصلي على أكثر من إتجاه.. وأكثر من قبلة سياسية.. وعلى أنغام أكثر من جرس.. وكذبة لبنان الرسالة الطائفية منعاً لمجرد حتى التفكير الباطني في الدولة المدنية.. دولة الدستور العصري وعقده الاجتماعي الحديث.. وفي هذا السياق يحذرنا جيمس بالدوين قائلاً: “الجهل المتحالف مع السلطة هو أخطر عدو للعدالة”. ويضيف ألبير كامو غالياً ما يكون الأناس الفاضلون مواطنين جبناء، في جذور الشجاعة الحقيقية خلل ما..” ليعود نيتشه ويقول:
“أما انا فقد وليت ظهري للحاكمين عندما أدركت معنى الحكم في هذه الأزمان وتأكدت أنه متاجرة بالقوة ومساومة الأوغاد على الحصص والمحاصصة”.. أختم مقالي هذا ببعض ما كتبته الشاعرة أنيز كولتز في محموعتها (مسرنمة النهار) التي تقول:
منذ هجرتي عبر العديد منّ الأجساد.. تتكدس على عظامي الأزمنة.. ظلّي يصطدم بكل حائط.. العالم افتراضي.. والمرئي يبقى لا مرئي… لا شكل لِيَدِي أطلاقاً.. لكن العالم بأسره مسجّل في كفيّ… بين بياض الصفحة وكتابتي استقرت كتلة من الجحيم.. هي آخر أنقاض السماء…!