بايدن ينتظر.. ونتنياهو يقامر!
“المدارنت”..
لا يمرّ أسبوع في هذه المنطقة إلا وتتجدد الأحداث وتتراكم التحديات، وذلك نتيجة لما أحدثه حدث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على المنطقة. وقد بدا أن شهر تموز منذ بدايته ينطوي على العديد من التحولات والتغيرات، فكان على سبيل المثال موت لونا الشبل، مستشارة بشار الأسد، بظروف غامضة مرتبطة بحالة النزاع الروسي – الإيراني ومراكز القوى ضمن النظام الأكثر وحشية في العالم.
بالتوازي، فإن الاستحقاقات الانتخابية في إيران وفرنسا ألقت بظلالها على أحداث المنطقة، وهذا الربط بات ينطوي على تصورات إقليمية حيال أدوار إيران وفرنسا.
أما الاستحقاق الأكثر ترقباً فهو الأميركي، بالتزامن مع الواقع المأساوي للحزب الديموقراطي، والضعف الذي أبداه (الرئيس الأميركي جو) بايدن في مواجهته للمرشح الجمهوري (الرئيس الاميركي السابق) دونالد ترامب في المناظرة الإعلامية التي جرت منذ أسابيع.
من هنا، لا يمكن فصل هذا الاستعصاء الانتخابي الأميركي والفشل المريع لبايدن عن محاولات أركان إدارته بخلق مسارات تفرض حلاً سريعاً للحرب الدائرة في قطاع غزة، والتي ستعني إضافة نقطة في سباق الانتخابات الأميركية لصالح الديموقراطيين ومرشحهم بايدن.
وبدا جلياً أن ما تنشره الأوساط الأميركية، ديبلوماسية أم استخبارية، يعزز حالة ضيق الوقت والخيارات بالنسبة للحزب الديموقراطي.
من هنا، فإن الكواليس الأميركية باتت تتحدث عن أن الخيارات الميدانية لحكومة الحرب باتت ضيقة مسدودة، ولا أفق واضح لتحقيق أي إنجاز نوعي في المعركة.
لذا، فإن الحديث عن الذهاب نحو المرحلة الثالثة من الحرب التي يتحدث عنها نتنياهو وأركان حكومته يعني وفقاً للأميركيين وكل الوسطاء أن ما سيجري لن يؤدي إلى الإفراج عن الرهائن، ما قد يعني أن خيار التضحية بهم بات قراراً مضمرًا لدى اليمين “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني). ما سيرسخ المشكلات داخل “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) ويزيد من حجم الضغط الذي تتعرض له “الحكومة الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية). من هنا، فإن الحصار بات يخنق (الإرهابي الصهيوني بنيامين) نتنياهو، فلا هو قادر على الاستمرار في أطول حرب خاضتها إسرائيل، ولا هو حقق أياً من أهدافها المعلنة رغم سعيه لإعلان انتصاره في الخطاب المرتقب أمام مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة. هذا الخطاب يأتي في ظل عزلة شخصية وشاملة لنتنياهو وحكومته مع الملاحقات القضائية.
بالتوازي، فإن دائرة الضغط يجري ترسيخها أكثر مع انضمام ضباط الجيش الكبار للفريق المتربص بنتنياهو، ما يعني أنه لم يعد قادراً على التقدم ولا إمكانية له للتراجع، والوقوف في مكانه سيعني سقوطه المدوي. هذا في ظل الحديث عن لقائه المرتقب مع بايدن، والذي يدرك الجميع سعيه الدؤوب لتمزيق أواصر التحالف وفرط الحكومة الإسرائيلية وزعزعة الثقة الداخلية به.
بالمقابل، ثمة حدث مر دون التعمق في مفاعيله الميدانية، وذلك مع إعلان البنتاغون عن سحب حاملة طائراته العملاقة “أيزنهاور” من مياه الخليج العربي مع كل القطع البحرية المرافقة لها. جرى ذلك وسط تسريبات عن أن هذه الخطوة جاءت لتركيز القدرات العسكرية في منطقة المحيط الهادئ، حيث المهمة الشاقة الأساسية لاحتواء تمدد الصين.
وجرى نقاش في الكواليس الديبلوماسية أن هذه الخطوة تأتي بعد تعديل أجندة المهمات للجيش في البحر الأحمر، والانتقال من مهاجمة قواعد الحوثيين ومراكزهم والعمل على إضعافهم عسكرياً إلى الاكتفاء بالدفاع عن حاملات البضائع والنفط من أي هجمات. هذا المسار ينطوي على انزعاج أميركي لافت من دول الخليج لرفضها المشاركة في العمليات الدائرة ضد جماعة الحوثي، وترك المهمة فقط لواشنطن ولندن، في ظل تخفيف الرياض اندفاعتها تجاه إعطاء أي ورقة مكاسب لبايدن قبل الانتخابات الرئاسية الحامية الوطيس.
من هنا، عادت واشنطن لتفعيل محركاتها التفاوضية مع القطريين والمصريين. فالزيارة التي سيجريها كل من رئيس الاستخبارات وليام بيرنز ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان للمنطقة تهدف لتفعيل مفاوضات الوصول إلى هدنة والإفراج عن الرهائن، ما يعني أن الضغط الأميركي على نتنياهو لا يزال يتواصل مع ضغط إسرائيلي داخلي مع أصوات المعارضة المرتفعة.
وهذه الأهداف الأميركية باتت تتقاطع مع الأهداف الإيرانية، بخاصة أن حزب الله بات يروج لسردية أن إيران هي من ضغطت على يحيى السنوار للقبول بالصيغ المطروحة أميركياً للهدنة. وثمة اعتقاد جازم أن هدف وقف الحرب يتقاطع فيه الأميركي مع الإيراني، بخاصة أن طهران تسعى بكل ما أوتيت من قدرات لتأمين عودة بايدن أو إدارة ديمووقراطية للبيت الأبيض بدلاً من وصول الجمهوريين وترامب. ما يعني أن طهران، وبعد فوز الرئيس الإصلاحي، ستكون ساعية إلى خفض التوتر، وإسهامه في الحصول على مزيد من التقارب مع الغرب من جهة وترسيخ مصالحتها مع السعودية من جهة أخرى.
وعليه، فإن المتابعين لسير المفاوضات باتوا أكثر اقتناعاً بضرورة مراقبة التطورات من الآن وخلال الأيام القليلة المقبلة في انتظار التثبت من قدرة مفاوضات القاهرة والدوحة على إنتاج تفاهم بين حماس و”إسرائيل” يؤشر إلى استئناف الحراك الديبلوماسي الأميركي فـي المنطقـة.
ما يعني أن جهود الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ستعيده للمنطقة لتثبيت أي اتفاق مرتقب بين حزب الله و”إسرائيل”. ولكن إذا لم تحصل أي خطوة فعلية، سيبقى المسؤولون الأميركيون أسرى حدود بلادهم يراقبون من بُعد مجرى التفاهمات، ليتقاسموا أعباء المواجهتين الخارجية في الشرق الأوسط والداخلية المتصلة بالانتخابات الرئاسية، وما تفرضه من جهة التوصل إلى إنجاز يمكن البناء عليه في المواجهة المفتوحة مع ترامب في الداخل، ومع نتنياهو في الشرق الأوسط.