براءة الناصرية.. الآمال والطموح..
خاص “المدارنت”..
الناصرية، منهج عمل ودليل سلوك عُرفت بهما، وعرفتها الجماهير العربية على امتداد ساحة الوطن العربي من طنجة في المغرب العربي الى ظفار على بحر العرب شرقاً، فتعاطت هذه الجماهير معها التفافاً وقبولاً والتصاقها بها دونما وصاية حزبية من القيادة الناصرية، فالناصرية قد جسدت آمال وطموحات وتطلعات الجماهير العربية في التحرر من الاستعمار بكل أشكاله (العسكري – السياسي – الاقتصادي – الثقافي) ومن تسلط الأنظمة الحاكمة وهيمنتها الرجعية ودورانها حول محور الاستعمار وبترابطية تكافلية مرتهن بها وجودها السياسي والاقتصادي؛ وتكريسها للقطرية ضد التطلعات الوحدوية وإمساكها الحديدي بالسلطة قمعاً لجماهيرها وتحكمها برغيف الخبز فنجد هذه الأنظمة القطرية قد انتفخت أجهزتها السياسية والاقتصادية والأمنية بشواهد توسع وتعدد هذه الأجهزة والملاحقات الأمنية والمطاردات والتصفيات الجسدية لكل من يعارضها او يتطلع لغدٍ وحدوي عربي للأمة العربية.
إن الفكر الناصري بمشروعه التحرري النهضوي الوحدوي لأمة العرب قد جسد آمال الجماهير العربية ما بعد الاستقلال والتحرر بإقامة مجتمع للعدالة الاجتماعية عبر الاشتراكية العربية الناهلة من روح الإسلام عدلاً في توزيع الثروات وكفاية اجتماعية تذوب فيها الفوارق الاجتماعية وقاطعة بل وقالعة للتسلط الطبقي ومنع تراكم الثورة في المركز على حساب أطراف الدولة القومية العربية الواحدة المراد لها تأسيساً باشتراطات التكوين والتأسيس الوحدوي في التحرر والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة الوحدوية عبر نهج فلسفي مستلهم لحال وواقع الأمة العربية.
وبامتداد تجذرها التكويني والمؤسس لها بالتكليف الشرعي لهذه الأمة بحمل رسالة الإسلام هداية ورحمة لبني البشر، فعرف العرب دولتهم الموحدة بالإسلام الموحد لهم ولتشهد البشرية توحد العرب بالإسلام وتتعرف على الإسلام عبر العرب فلم يقف الإسلام ضد توحد العرب بل صار تلازماً تكافلياً بين العرب والدين الإسلامي، فلولا الإسلام لم يكن العرب، ولولا العرب لما عرفت البشرية الإسلام.
إن الناصرية قد قرأت الواقع العربي قراءة متعمقة لتدخل الاختبار التاريخي برؤية التاطير الواقعي والفلسفي وفاءاً لمسؤوليتها التاريخية القومية بحاضرها المعاش، واحتمالات المستقبل عبر عنصر الزمان كعنصر اساسي يدق اجراس الخطر للعرب في نضالهم الثوري وبادراك واعٍ لهذه الاحتمالات المستقبلية المداهمة للعرب التي أثبتت الاحداث صدق الرؤيا الناصرية باستشرافية واعية لما سيكون وما يكون عليه حال الامة العربية إن لم تكن الاداة الثورية النضالية الوحدوية صادقة كيما تعطي نتائج صادقة ولنا شواهد حالة الامة العربية اليوم (تجزئة – خنوعاً مخجلاً للقوى الاستعمارية ولقوى الردة والرجعية) لينال عليها الحكام إطالة عمر وتوريث مستمر برسم الهبة السلطانية من القطبية الاحادية المتسيدة عالميّاً بل إن هذه الانظمة قد صارت تقاتل بالنيابة عن القوى الاستعمارية إسقاطاً للانظمة او احتلالها او زرع الفوضى الهدامة عبر تلازمية الفعل العسكري والخيانة وراس المال ووسائل الاعلام المملوكة لهذا النظام او ذك او عبر عجلة كارتلات الاعلام العالمية المدارة بمحركات صهيونية
فهذا التحالف قد تصدى للامة العربية ولمشروعها التحرري النهضوي الوحدوي على ثنائية الارتكاز في صراع الغرب الاستعماري مع العرب صراع بناء للغرب وصراع بقاء للعرب معتاشاً على الثروات العربية وموقعها الجيوستراتيجي فتجسد هذا التحالف في:
1- اسقاط الوحدة المصرية – السورية والإجهاز على المشروع الوحدوي.
2- حرب الخامس من حزيران 1967 م.
3- اعادة رسم خارطة جديدة على انقاض خرائط سايكس – بيكو برسم مشروع الشرق الاوسط الكبير او الجديد، يكون الكيان الصهيوني المحور الاساسي والوحيد بمرجعية التفوق العسكري والاقتصادي وبرعوية أمريكية.
4- التاسيس الفلسفي للمشروع الامبراطوري الامريكي من خلال الدمج العسكري والاقتصادي بثنائية ازدواجية ومندمجة للصراع المختلق باعتبار الاسلام هو العدو الاول بسمة الارهاب وان الاسلام حاضنة له.
5- العرب هم حاضنة الاسلام فلا بد للمشروع الامبراطوري الامريكي أن يبتدىء بالعرب استهدافاً بل واحتواء للارض والهوية والوجود تجسد باحتلال العراق واسقاط لانظمة قطرية عربية لم تتطابق مع الرؤية الامريكية سياسياً واقتصادياً استكمالاً لمتطلبات التاسيس التكويني لهذا المشروع باعتبار الوطن العربي مركزا في اقليم “جيو/ بوليتيكي” وبهلالين نقطتين ( الهلال النفطي الاسيوي – الافريقي ) دونما اغفال صعود مملكة الغاز العالمي تمثلاً في غاز قطر – غاز الجزائر – غاز ليبيا – غاز العراق ولتكون مملكة الغاز العربي خانقة للحياة الاوربية والاسيوية وطاردة للغاز الروسي .
ان الهيمنة الامريكية بقميمومتها الرعوية للنظام الرسمي العربي قد سهل ويسهل الهيمنة الاقتصادية الكاملة من خلال ربط الاقتصاد العربي “ثروات واسواق بعجلة الاقتصاد الامريكي عبر الاغراق المبرمج لهذه الاسواق بالسلع الاستهلاكية – والكمالية عبر دورة اقتصادية ناشطة لا يخفى أن المنطق التاريخي يؤكد على ان المتحرك يخلق أسهامه تاريخية ، دونما إغفال إن النظام العربي الرسمي يمتلك الغطاء الشكلي لوجوده من صناع القرار الامريكي بمشروعية زائفة بل وباطلة ناسفة لمشروعية الوجود وشرعية الأداء فهذا الغطاء قد منحهم سلطة الأمر بأمر الله برسم الحق الالهي تربعاً على كراسي السلطة قامعين لكل صوت معارض اجتراراً لمقولة “يا عدو الله – يا عدو الدين”، وبارتدادية عن مبدأ البيعة او ما يسوق اليوم باسم الديمقراطية وصناديقها الموسومة ببركات “العم سام”، او المستاكين بسواك الاسلام السياسي من خلال الترويج الاعلامي بفضائيات وعاظ السلاطين تتويجاً للارهاب الرسمي العالمي المسوق بفعاليات سياسة الراية الخداعة والاضطراب والتحكم بهذة الانظمة الموالية او عبر النخب المؤهلة في مواخير المخابرات برعوية المال العربي وبعباءة الاسلام السياسي .
فنجد اليوم غياب لاقطار عربية محورية ذات ثقل مركزي سكانياً واقتصادياً وفعلاً سياسياً من خلال تفتيت بل واحتواء لدول الطوق حول اسرائيل وصعود اقطار عربية هامشية لا تمتلك مقومات الدولة فخروج مصر العربية بثقلها المركزي العربي والافريقي من دائرة الصراع العربي – الصهيوني وانكفاء الجزائر – واحتلال العراق وتحجيم الدور السعودي واشعال الفتنة والانفلات الامني والتصارع الداخلي في ليبيا ما بعد القذافي وانعزالية المغرب واضطرابات اليمن ، ومحاولات اسقاط الدولة السورية واذكاء نار الحرب الاهلية فيها.
هذا كله قد جعل العرب في خضم الصراعات الداخلية المستهدفة للوجود بالاصل دونما اغفال تطويق الوطن العربي بحزام عدائي جامح وبتشجيع امريكي لخنق الوطن العربي “تركيا كقوة جيوستراتيجية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً/ ايران ومشروعها النووي/ اثيوبيا ودورها الافريقي في القرن الافريقي وأمن البحر الاحمر وبحر العرب وخنق مصر عبر التحكم بمياه نهر النيل بالتعاون مع دويلة جنوب السودان”.
والسؤال يطرح نفسه أين هم العرب من هذا؟!
الجواب ببساطة لم يتم هذا لولا تحالف قوى الردة العربية مع الولايات المتحدة الامريكية ضماناً لأمن الكيان الصهيوني وإعطائه دور اللاعب الاستراتيجي.
وللتاريخ قولاً إن صعود الردة القومية لم يكن بالأصل راجعاً الى قوة الأنظمة الإقليمية بذاتها بل الى قوة التخطيط المدروس والرعوية الأمريكية بالمال والسلاح، وكذلك ضعف التنظيم الجماهيري الوحدوي وانطلاء سياسة الرايات الخداعة عليها سواء فمن ارتدى العباءة القومية الوحدوية او من رفع شعار الاسلام هو الحل فكلاهما قد رضعا من حليب منزوع العروبة والاسلام وهذا هو مقتل الجماهير العربية فثورات العرب في تونس ومصر واليمن لم تكن لأجل السلطة بل للكرامة والحرية والانعتاق فاذا بها تسرق وتداس التضحيات والدماء التي سالت نازفة طاهرة في الشوارع والميادين وترتهن هذه الجماهير بفربة كاذبة ومزيفة باسم “مدخلات ومخرجات لاجهزة الحاسوب الديموقراطي”، نعم العرب مجبولين على الشرف وشرف وعهد الكلمة والخبز الحلال وبطموح وحدوي وبحماسة وحدوية ناشدة لدولة العرب القومية كي يكون للعرب دورهم الحضاري الانساني .
ان مكمن ضعف التيار القومي الوحدوي الممثل للاغلبية العربية هو غياب وحدتهم وضعف اداتهم التنظيمية وهذا هو مكمن مقتلهم وتغيبيهم وغيابهم عن المشهد العربي حالياً ، فالجماهير العربية قد ادركت أن أهل الردة القومية “القطرية/ الاقليمية وحتى التشطيرية”، قد انهزموا وان فازوا زوراً بسداة الحكم ، فالمسؤولية التاريخية واقعة على هذا التيار القومي الوحدوي باثرها فلا بد من الادراك ان الوحدة العربية لم تعد إختياراً لتقدير النظام العربي الرسمي بل هي حياة تاريخية إن لم تكن موت تاريخي لأمة تمتلك من العمق الحضاري الكثير ومن مستلزمات ومتطلبات الوحدة واشتراطات قيامها تكويناً وتاسيساً .. واليوم تقع على هذا التيار مسؤولية مضاعفة “داخلياً – قطرياً – وقوميّاً”، بعد إنكشاف المستور وتساقط كل الاوراق وانبلاج شمس الحقيقة على مسرح الواقع العربي وشخوصه فالمحرمات قد أجازها الشارع السياسي والتطبيع مع الكيان الصهيوني صار مسوقاً مع “شراب الكوكا كولا”، ليحل معه العيش بسلام، وانه ابن العم والاعتمار صوب البيت الابيض والطواف حوله شرعة لازمة وجوباً لنيل بركات “العم سام “، لإطالة العمر الاسياسي تربعاً على كراسي الحكم .
فأي حال نحن عليه اليوم وداحس والغبراء والبسوس لابد أن تقوم بثارية تجديدية، قد اولام على ما ذهبت اليه لكن باستشرافية واضحة وانطلاقاً من المسؤولية التاريخية قولاً إننا في العراق قد خبرنا ذلك وجرحنا نازف وعزيمتنا متجددة ونرى الواقع العربي المعاش بوضوح نرى الكؤوس الفارغة والممتلئة او بنصفها بعين ثاقبة بحكم تراكم الخبرة والتجارب فهالنا ما نشاهده من تصارعات ملوك وامراء الطوائف والحرب في ليبيا وما تجري في سوريا الشقيقة نحن القابضون على الجمر بوحدوية الاحرار ولكوني تلميذاً في المدرسة الفكرية الناصرية لم ازل انهمل منها لابد لي قولاً وبتواضع.
تبرز اليوم الحاجة قومياً وحتى (قطريا) للناصرية ومضمونها المحدد كأرضية صالحة للجماهير العربية في التحرر والانعتاق من كل اشكال الاستعمار والاستعباد والحرمان وفي التوحد العربي فالناصريون ليسوا طلاب سلطة فبينهم وبين السجادة الحمراء مسافات والناصريون لا يسعون لصراع دموي مع اصحاب كراسي الحكم بل هدف الناصريون هو استئناف مسيرة النهوض التحرري الوحدوي عبر اليات فاعلة متفاعلة وبفعل ايجابي تعاطياً كون الاقليمية وقوى الردة عقبة زائلة لا محال في مسيرة العمل الوحدوي مستقبلا هذه الاليات تكون مستلهمة للمستقبل وصولاً لغاية الناصرية في التحرر السياسي والاقتصادي والثقافي، وبناء دولة العرب الواحدة ، فالناصريون يؤمنون بحتمية الوجود والبقاء لأمة العرب وارتباط هذا بالتوحد القومي فالهدف المحوري والاساسي للإقليمية والقطرية هو الفوضى والمحاور، فلا بد تصفية نوازعها التشطيرية بفعل جماهيري ايجابي باستئناف مسيرة العمل الوحدوي تحرراً وانعتاقاً حاضراً ومستقبلاً على قاعدة الهاجس الوحدوي الكامن في وجدان كل عربي وهذا الاستئناف هو عبور بواقع الامة العربية المتردي، فالجماهير العربية قد بان لها كل شي بعدما انكشف المستور على مسرح ما يسمى بربيع العرب وخريف الامال.