بين رماد “حكي تنّور” وجمر الواقع الملتهب..!
خاص “المدارنت”…
تفكر في حكي تنور للروائي عمر سعيد
أوقدوا النار حانت ساعة القمح.. أوقدوا النار ويصير الطحين لقمة حب.. أوقدو النار.. تحوّقوا حول التنور.. لكل زمن تنوره.. ولكل زمن “حكي تنور”..
تشتعل النار تتوالد من الحطب، ويصير التنور بركة أيادي والرزق “وتأكل خبزك بعرق جبينك”. أياد تعجن، أياد تقرّض أياد تلت، اياد تلوح الرغيف وتضعه على الكارة… ويقذف في التنور ليصير شهيًا مقدسًا جليلًا….
يتسلل حكي تنور الى أمسنا.. يهدهده، ثم يعريه، يضع السكين في الجرح، علّنا نصرخ علّنا نفيق علّنا نتطهر من ما علق فينا، من مجتمعات الطرة والنقشة..
يسمي شوائبنا باسمائها.. يصف تخاذلن، ليوقد فينا شعلة الوعي.. المواجهة: لا تخضع، لا تصمت، لا تتخاذل، لا تخون لا تقبّل يدَا، وتدعو عليها بالكسر.
أخرج الجان من عقلك، أعط نفسك حقها، لا تسجنها في الجبن تجرأ، غامر “إن الحقائق لا تكتشف من قبل القابعين في بيوتهم مع مخاوفهم، وأفكارهم الجامدة، وعقولهم الضيقة، ومعتقداتهم البالية”.
على صورة التنور ومثاله، تترامى القرية ويتقاطع ناسها، ويتفوق وسع التنور على خيالنا، حيث شجارات النساء اللائي يلملمن الجمر والرماد للتدفئة في بيوتها، ومشهدية الأطفال الذين يسمعون، ويرددون الشتائم بدون أي رادع أو رقيب “تركت للتننانير تربية الناشئة”.. ألا يمتد هذا المكان فينا إلى اليوم؟ في سلوكيات وذهنيات، لا تزال تتحكم في يومياتنا وفي علاقتنا بأنفسنا وبالأخرين؟ كيف تربى الناشئة اليوم في هذا المجتمع الذي يشكّل فردًا منقسمًا على نفسه، فهو يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول.. وفكره قد يكون في بعد آخر مختلف وغير معلن…
يشرَع التنور بابه: قد تدخله حين تتحوّق النساء للخبز، فتطالك حلقة الثرثرة واللت والعجن، وقد تدخله ليلًا للدفء، فيسكنك جانه، ولا يخرج منك حتى لو هربت الى آقاصي الأرض.
ألم يدجّنَك حكي تنور؟
غدوت مطبوعًا به، توافق على كل شيء، لا تجاهر بما في قلبك أو عقلك، تؤجل ردّات فعلك فتأتي متأخرة، فكأنك تقصّها كأي حكواتي، وتقول “أنا كنت بدي قول وقول وقول، بس خفت يسيؤا فهمي، وأنا ما بدي زعل حدا”.
ألا تفيق من سباتك؟ “نحن في زمن لا يحتمل العالم فيه، طال العيش داخل حكي تنور جدي، وإعادة إنتاج القصص نفسها”، أسقط عنك الحنين الكاذب إلى ماض.. إلى الوراء.. إنه هروب إلى الخلف.. كي تبرر تخاذلًا أو تعبًا أو فشلاً.. حول التنور، “كانت تطول جلسات التأليف والتخطيط.
ليصل الواحد إلى أمانيه، ويحقق أحلامه، فرائحة الخبز ودفء النار يغريان بالقعود والتحدث، ثم التحدث ولا شيئ اكثر”.
ألا يشبهك كثيراً زمن التنور؟ الى متى تتمسّك بهذا الموروث؟
إلى متى تبقي الإطار البلا صورة، وتبيع الأوهام؟ ألا يكفي ذرًا للرماد في العيون؟
طباع حكي تنور تتمادى، إلى يومنا هذا، لا زلنا نقبع في زمن حيث المرأة لا تملك جسدها، الحقائق تؤدي الى انهيار، الجميع يبرر للجميع، المؤامرة سيدة الموقف، أقزام تتعملق بالشرّ، المسؤول فاشل والناخب فاشل، شريعة غاب، تكرار حتى إدمان التكرار ، تنمّر.. وأكثر
من المقالة الأولى، إلى المقالة الأخيرة، “حكي تنور” أفق يطرح الأسئلة للتفكَر في كلّ ما نحن فيه وعليه.. في الحبَ والمرأة والأب والأم والعلم والعمل والسياسة والسلطة والتعليم والعائلة والعفة والمقدسات والحياة والموت والوطن والمواطنة.
يقدم لنا الكاتب عمر سعيد، نهجًا نقديَا لكلَ ما في جعبتنا من لزوم ما لا يلزم، علّنا نصير أكثر حهوزيَة لترميم وبناء الإنسان، فلا نكون “الأماكن الطاردة” لآخرين، و”الأمكان الطاردة” للفكر وللمستقبل.
كتب جبران خليل جبران: “الحياة لا تكون في منازل الأمس”.
والأمس، عابق بحنين وعاطفة وذكريات وحكايات، ورثناها من جيل إلى جيل، أنترك ذاك الأمس، يحوّل يومنا إلى رماد؟ الحياة شعلة نتلقفها ونعبرها.. أي نور نرجوه من رماد العقول ويبقى السؤال كما في كتاب “حكي تنور، ومع الكاتب عمر سعيد “مم يتكوّن الرّماد؟”.
========================