مقالات

تداعيات مقتل رئيسي على إيران والمنطقة‏!

“المدارنت”..
على الرغم من بعض التغييرات الداخلية في إيران بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يتمتع المرشد الأعلى (السيد علي خامنئي) و”مجلس صيانة الدستور” و”الجمعية الوطنية” و”الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني بنفوذ كبير في البلاد، مما يضعف سلطة الرئيس. وبذلك، من غير المرجح أن تؤدي وفاة رئيسي إلى إحداث ‏‏تغييرات فورية في السياسة الإيرانية‏‏.
ألقت الوفاة المفاجئة لرئيسي في حادث تحطم طائرة مروحية في 19 أيار (مايو) بظلال من عدم اليقين على المستقبل السياسي للبلاد، خاصة في ما يتعلق بخلافة المرشد الأعلى. ومع ذلك، يشير ميزان القوى الراسخ في إيران إلى أنها لن تكون هناك تحولات زلزالية في السياسة الاقتصادية أو الخارجية للبلاد في أي وقت قريب.‏
من المتوقع أن يستمر الاقتصاد الإيراني المنهك والمثقل بالعقوبات في المعاناة، ومن المرجح أن تستمر التوترات بين الجمهورية الإسلامية و”إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) والغرب على ما هي.
ومع ذلك، تؤكد نوعية الاستجابة الدولية لوفاة رئيسي على ذوبان كبير في جليد العلاقات الإيرانية مع دول الخليج العربي، بما في ذلك دول معروفة بالتنافس مع إيران في السابق ومنذ أمد طويل، مثل المملكة العربية السعودية. وقد أكدت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، يوم الاثنين، ‏‏أن الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبد اللهيان‏‏ وستة آخرين لقوا حتفهم عندما ‏‏تحطمت مروحيتهم بالقرب من الحدود الأذربيجانية‏‏. وعلى إثر ذلك، أعلن المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، الحداد لمدة خمسة أيام وإغلاق اقتصاد البلاد.‏
كان رئيسي، الذي انتخب في العام 2021 كمرشح متشدد، قد تعهد باتخاذ إجراءات صارمة وشن حملة ضد الفساد، وإحياء الاتفاق النووي لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، وتحسين العلاقات الإقليمية. وفي حين أن “خطة العمل الشاملة المشتركة” شهدت انعاشاً تقريباً في العام 2022 تحت إشراف أمير عبد اللهيان قبل اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية في البلاد، شهدت فترة رئيسي استئناف العلاقات الديبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، ودخول “منظمة شنغهاي للتعاون”، وإطلاق مشاريع إقليمية مثل السد المشترك مع أذربيجان، والعضوية في نادي (بريكس +) الحصري.
في أعقاب حادث تحطم المروحية، تمت ترقية ‏‏علي باقري كني ‏‏إلى منصب وزير الخارجية، مرتفعًا من دوره السابق كنائب. وسيشغل النائب الأول ‏‏للرئيس، محمد مخبر،‏‏ منصب الرئيس مؤقتاً إلى حين إجراء انتخابات رئاسية في غضون الأيام الخمسين المقبلة. وسيقوم “مجلس صيانة الدستور”، وهو هيئة من رجال الدين والمحامين، بتحديد المرشحين. وكانت انتخابات العام 2021 قد شهدت الكثير من الانتقادات لمنعها ترشح عدد من المتشددين والإصلاحيين، مما مهد الطريق لفوز رئيسي.‏
‏يتعلق السؤال الأكبر الذي يخيم على الأفق الآن بشأن إيران بمن هو الذي سيخلف آية الله خامنئي كمرشد أعلى للبلاد. وكان يُنظر إلى رئيسي إلى حد كبير على أنه حليف وثيق للمرشد وخليفة محتمل. والآن، يحوِّل مصرعه التركيز إلى مرشحين محتملين آخرين، بمن فيهم نجل المرشد الأعلى، مجتبى خامنئي، والرئيس السابق حسن روحاني، وحسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية (الإمام الخميني).‏
على الرغم من هذه التحولات الداخلية، يتمتع المرشد الأعلى و”مجلس صيانة الدستور” و”الجمعية الوطنية” و”الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني بنفوذ كبير في البلاد، مما يضعف سلطة الرئيس. وبالتالي، من غير المرجح أن تؤدي وفاة رئيسي إلى ‏‏تغييرات فورية في السياسة الإيرانية‏‏. وسوف تستمر التحديات الاقتصادية، حيث يُظهر الاقتصاد الإيراني نمواً متواضعاً يرجع في المقام الأول إلى زيادة إنتاج النفط. ومع ذلك، فإن العقوبات المستمرة تقيد بشدة تدفقات العملة الصعبة، مما يتسبب في انخفاض قيمة العملة الوطنية، الريال، وتغذية التضخم المستمر المكون من رقمين.‏
سوف يظل احتمال تشديد العقوبات على البلاد قائمًا، خاصة إذا استعاد دونالد ترامب الرئاسة الأميركية واحتفظ بموقفه المتشدد تجاه إيران. وبالإضافة إلى ذلك، مع وجود موارد اقتصادية كبيرة يسيطر عليها “الحرس الثوري الإيراني”، سوف تستمر التوترات الإقليمية، لا سيما مع إسرائيل، في إعطاء الجيش الأولوية على المصالح التجارية.
على الصعيد الجيوسياسي، من المتوقع أن يظل موقف إيران ثابتاً. فقد توقفت الآمال في إحياء مفاوضات الاتفاق النووي، وبينما تراجع الصراع المباشر مع “إسرائيل” في الآونة الأخيرة، سوف تستمر إيران في دعم وكلائها الإقليميين، مثل (ميليشيا) “الحوثيين”، بلا هوادة. وهذا يعني استمرار عدم الاستقرار الإقليمي، مما يؤثر على الاقتصادات غير الخليجية بشكل خاص، مثل اقتصاد مصر.‏
‏ولكن، على العكس من ذلك، ربما يسعى الرئيس الجديد إلى الحفاظ على الزخم في تحسين العلاقات مع دول الخليج التي قدمت تعازيها بعد وفاة رئيسي. وتسلط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تشيران إلى إيران على أنها “النظام الشقيق”، الضوء على التحول الإيجابي في الديناميات الإقليمية. وسوف يقلل تحسن العلاقات بين إيران ودول الخليج من خطر نشوب صراع أوسع يعطل إمدادات النفط من المنطقة.
باختصار، في حين أن وفاة رئيسي المفاجئة تثير تساؤلات حول المسار السياسي المباشر لإيران، فإن هناك فرصة ضئيلة، بينما ما يزال خامنئي على قمة هيكل السلطة، لأن يكون أي تغيير كبير في الاتجاه في الأفق.

المصدر: ترجمة: علاء الدين أبو زينة/  “الغد الأردنية”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى