ترامب والعرب.. رقصات عرضة وصفقات.. أم مراجعة؟!
“المدارنت”..
يتذكّر العرب، بالتأكيد، كيف استهلّ (الرئيس الأميركي المنتخب) دونالد ترامب، بعد شهور من اعتلائه، للمرة الأولى، منصب الرئيس، زيارته للمملكة العربية السعودية، في أيار/مايو 2017، حين أدّى، برفقة الملك سلمان بن عبد العزيز، مع مجموعة من السعوديين، رقصة العرضة الشهيرة، بالسيوف وعلى أنغام الدفوف، وحضر خلالها ثلاث قمم: سعودية، وخليجية حضرها قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وعربية ـ إسلامية حضرها أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية.
دشّن ترامب، حينها، صفقات تجارية واتفاقات دفاعية بقيمة 460 مليار دولار، ووقع مع عاهل السعودية إعلان رؤية استراتيجية نصّ على «رسم مسار مجدد نحو شرق أوسط ينعم بالسلام وبسمات العمل الإقليمي والعالمي في القرن 21».
لم يمر بالكاد ثلاثة أسابيع على الإعلان المذكور حتى تكشّفت وعود السلام عن تصدع هائل في المنطقة العربية والإقليم والعالم. بدأ ذلك من منظومة الخليج نفسها، فاندلعت أزمة ديبلوماسية خطيرة داخل دول «مجلس التعاون الخليجي» استغرقت عدة سنوات، كما صعّدت الإدارة الأمريكية الصراع مع إيران، فألغت عام 2018 الاتفاق النووي الدولي معها، وتتابعت أشكال الضغوط والعقوبات بين البلدين وصولا إلى تهديد ترامب بتدمير الجمهورية الإسلامية وإعلان «نهايتها الرسمية».
تبع ذلك، في العام التالي، ما سمّي بـ«صفقة القرن» التي كان من بنودها اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ووضع المسجد الأقصى تحت السيادة الإسرائيلية، وتبع ذلك، في العام التالي، 2020، رعاية ما سمي اتفاقيات إبراهيم بين دول عربية جديدة وإسرائيل.
من المفترض، مع الفوز الكبير الذي حقّقه ترامب، ومع سيطرة حزبه على مجلسيّ الشيوخ والنواب، وكون هذه الولاية الثانية والأخيرة له، أن يكون الرئيس الأمريكي الجديد أكثر تحرّرا من الضغوط التي يفترضها رئيس يريد أن يحافظ على خطوط الرجعة سواء مع ناخبيه الذين قدم لهم وعودا كبيرة، سواء فيما يتعلّق بالرخاء الاقتصادي، ووقف الهجرة غير الشرعية، أو مع وعوده الخارجية حول وقف الحروب وإنهاء الصراعات.
سيكون ترامب، ضمن السياق المذكور، قادرا على تمرير قرارات وتشريعات وتطبيق استراتيجيات، تطمح، في داخل أمريكا، إلى إحداث تغيير كبير يشبه الانقلاب، وهو ما سيحرّك ديناميّات احتجاج كبيرة ضده، كما ستصطدم الاتجاهات الانعزالية والعنصرية التي يشير إليها شعار «لنعد أمريكا عظيمة» و«مشروع 2025» وأحلام استغلال التفوّق العالمي الأمريكي لصالح واشنطن، بالتأكيد مع استعدادات دول العالم لاحتواء إمكانيات تحوّل هذه الطموحات إلى كوارث.
ستنعكس هذه الاحتمالات بشكل خطير، على العرب، مع فارق أنهم سيكونون العنصر الأضعف في المعادلات العالمية، مقارنة بأوروبا التي لديها الموارد لتعويض انحسار أمريكا الترامبية عن «حلف الأطلسي» وللتحالف وللدفاع عن نفسها ضد المخاطر المحتملة لهزيمة أوكرانيا وتهديد روسيا لها، أو الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، التي تتحضّر منذ الآن لعواقب أزمات خطيرة في حال تم استهداف إيران، أو إسرائيل، التي بدأ رئيس حكومتها (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، وشركاؤه في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين، في الاستعداد لضم الضفة الغربية واستيطان شمال غزة.
تتحضّر هذه السيناريوهات للاحتمالات الأكثر سوءا، غير أن هناك احتمالات أخرى تبدأ من ترامب نفسه، الذي يفترض، ربما، أنه صار أكثر براغماتية ومعرفة بعواقب الخطط المتهورة، كما تتعلّق أيضا بطبيعة المنظومة والأشخاص الذين سيختارهم لإدارة مستقبل أمريكا خلال السنوات الأربع القادمة، كما بأشكال الصراع السياسي والاحتجاجات داخل أمريكا نفسها، والتطوّرات العالمية التي قد تحد من احتمال حرب عالمية تلوح في الأفق… أو تساهم في صنعها.