مقالات

تركيا و”إسرائيل”.. سباق بين الديبلوماسية والتغوّل!

“المدارنت”..
تبدأ في تركيا، اليوم الجمعة، فعاليات «منتدى أنطاليا»، واختار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لكلمته الافتتاحية التي يلقيها على الزعماء الحاضرين، عنوانا هو: «التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم».

يمثّل العنوان اختيارا شديد المناسبة لأوضاع العالم، الذي استعاد روعه من صدمة اقتصادية كبرى بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «تجميد» قراره بفرض رسوم جمركية على دول العالم (ولكنه رفع نسبتها إلى 125٪ ضد الصين). يبدو العنوان مغريا لتوصيف الانقسام الذي تعانيه منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في فلسطين، حيث تحوّل قطاع غزة إلى «أرض الحشر»، والمقتلة التي لا يبدو هناك نهاية لها، رغم جولات الدبلوماسية التي لم تنقطع منذ بدء الحرب الأخيرة.
كان من مفاعيل نشوء تحالف أمريكي ـ إسرائيلي (بدعم غربي) لضمان صدّ هجمات من حلفاء إيران، المهيمنة على سوريا ولبنان، إلى اتساع الحرب الدائرة ضد هؤلاء، وإلى انحسار كبير لتلك الهيمنة، ومع انكشاف اهتراء وتعفّن نظام بشار الأسد في سوريا اندفعت قوات المعارضة نحو دمشق وأسقطت النظام، فيما أدى النجاح العسكري والاستخباري الإسرائيلي في ضرب «حزب الله» اللبناني، لترتيب الأجواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، قائد الجيش السابق جوزف عون، ورئيس حكومة، نواف سلام، الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية.
وجدت الحكومتان في سوريا ولبنان نفسيهما أمام تغوّل إسرائيلي لا طاقة لهما على ردّه، فدمّر جيش الاحتلال مجمل مقدّرات الجيش السوري، وأعلن احتلال مناطق كبيرة في جنوب البلاد، وتابع بشكل شبه يومي أشكالا من التوغّل والغارات، كما أنه تابع غاراته في لبنان، وانتهاك أراضيه وأجوائه، وأعلن البقاء في خمس نقاط من الجنوب، كما قصف الضاحية الجنوبية عدة مرات.
بلغ هذا الانفلات للقوّة الإسرائيلية طورا جديدا مع قصف مواقع تفقّدتها تركيا في سوريا وبعد تقارير عن إمكانية عقد اتفاقية دفاع مشترك بين دمشق وأنقرة يسمح لتركيا بنشر منظومات دفاعية. اتهم وزير خارجية إسرائيل، جدعون ساعر، تركيا بـ«لعب دور سلبي في سوريا» وحذر الرئيس السوري أحمد الشرع من «دفع ثمن باهظ» في حال «سمح للقوى المعادية» بدخول بلاده وتهديد إسرائيل.
وضع هذا الاستفزاز الإسرائيلي المُعلن والصريح أنقرة في وضع جديد فاعتبرت الخارجية التركية أن «إسرائيل باتت أكبر تهديد لأمن المنطقة»، وأنها تزعزع استقرارها عبر «التسبب بالفوضى وتغذية الإرهاب»، ولكن وزير الخارجية التركية هاكان فيدان فتح المجال للدبلوماسية بتصريح قال فيه إن بلاده «لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا».
وضعت زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، إلى واشنطن، قبل أيام، حدودا لانفلات القوة الإسرائيلية، حيث أعاد ترامب المسألة إلى الدبلوماسية، حيث قال إنه صديق لإردوغان وأنه قادر على المساهمة في حل المشكلة، طالبا من نتنياهو «أن يكون معقولا»!
يُضاف إلى ذلك طبعا، بروز اتجاه أوروبي للحدّ من معادلة التطرّف الإسرائيلي في غزة والمنطقة، مثّلته زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، وإعلان باريس إمكان اعترافها بفلسطين قريبا، والتي سبقها لقاؤه بالرئيس اللبناني في باريس، ورعايته اجتماعا مع الرئيس السوري، مع توقع تعاون فرنسي ـ تركي في سوريا ولبنان، وكذلك مواقف مشابهة من اسبانيا وإيطاليا وبريطانيا.
تشير الأنباء الواردة، أمس، إلى إجراء ضباط أتراك وإسرائيليين «محادثات فنية» في أذربيجان (وهي بلد حليف لكليهما) وهو ما يعني أن الأوضاع متجهة نحو وضع «آلية لفض الاشتباك» و«بناء منظومة للتنسيق» لخفض التوتر في سوريا، وهو تطوّر مهم قد يضع سوريا، ولبنان، وربما فلسطين وإيران، على سكّة الدبلوماسية مجددا، وهو ما لا تريده إسرائيل بالطبع.

رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى