مقالات

تشييع نصر الله.. احتشاد الرموز والرسائل والجماهير!

“المدارنت”..
قام «حزب الله» اللبناني، بعد قرابة خمسة شهور من اغتيال إسرائيل أمينه العام، السيد حسن نصر الله، بتشييع جثمان قائده التاريخي، الذي كان وديعة في مكان سري في الفترة الماضية، وجعل هذا التشييع مناسبة سياسية كبرى حشد لها جماهير واسعة من لبنان والمنطقة والعالم، وقام بدراسة رسائلها ورموزها بدقة.
بعد بدء مراسم التشييع، أمس الأحد، أدخل نعش نصر الله على آلية خاصة ثم ألقى الأمين العام الحالي، الشيخ نعيم قاسم، صلاة الجنازة، لتبدأ مسيرة التشييع بالاتجاه نحو الأرض الواسعة التي اختيرت لمكان المدفن على طريق المطار، على أن يكون التجمع الرئيسي في المدينة الرياضية، التي تتسع مدرجاتها لقرابة 56 ألف متفرج، وانضافت إليها حشود من الخارج، وقد أحصى إعلام الحزب مشاركات رسمية وشعبية من نحو 79 دولة، وغطت الحدث 120 كاميرا، و30 فريقا إنتاجيا عربيا وأجنبيا.
اختار الحزب إقامة الضريح على طريق مطار بيروت، الذي كان أحد المواقع الرئيسية في العاصمة لإظهار نفوذ الحزب على البلاد، وجرى حشد المشيعين للسير في اتجاه مدينة بيروت في «جادة الرئيس حافظ الأسد» ليتم مرورهم في طريق تسمى «جادة الإمام الخميني» أما المسار الذي يصل في اتجاه الضريح فيسمى «قاسم سليماني» (مواقع في بلديات يهيمن عليها الحزب) واختار منظّمو التشييع عبارة «إنّا على العهد» شعارا للمراسم.
يتوضّح جهد الحزب في تقليل الطابع الطائفي، والدينيّ، لشخصية نصر الله، بعدم اختياره ما درجت عليه عادة رجال الدين الشيعة اللبنانيين الكبار، الذين يختارون دفن جثامينهم في «وادي السلام» إلى جوار ضريح الإمام علي في العراق، أو في كربلاء، قرب ضريح الإمام الحسين، والذي تُعزى إلى تربة المكان عناصر قدسية لدى الشيعة (ذكرت مصادر أن عبوة فيها تراب من محيط المسجد الأقصى في فلسطين ستدفن في المقام) ويختار، في المقابل، رسالة تجميع الوقائع والحشود، والإشارات الرمزية، لإبراز الطابع السياسي لنصر الله وتشييعه (وللحزب بالتالي) بطريقة تريد التأكيد على الطبيعة العامّة، العربية والعالمية، للشخصية وما تمثّله.
واجه هذا الاختيار، مع ذلك، وقائع لا تصعب قراءة معانيها الرمزية والسياسية، فرغم الحشود الكبيرة التي حضرت التشييع، فعلى المستوى اللبناني لم يشارك الرئيس اللبناني جوزف عون في الجنازة، حيث مثّله بالحضور رئيس البرلمان نبيه بري، كما غاب رئيس الوزراء نواف سلام وتسببت إنابة وزير العمل محمد حيدر، وهو ممثل لـ«حزب الله» في الحكومة، بانزعاج أوساط الحزب.
تتابع هذه الإشارات، مسارا طويلا من علاقات الأطراف السياسية اللبنانية مع الحزب، والتي كان آخرها اشتباكات لأنصاره مع الجيش اللبناني وبعض الاعتداءات على قوات الأمم المتحدة، على خلفية تطبيق القرار 1701، ومنع هبوط الطيران الإيراني، ويمكن الإضافة إليها أن طرق الأسد، وخامنئي، وسليماني، لا يمكن أن تلغي أن المدينة الرياضية، حيث جرى الاحتشاد، مسماة باسم الرئيس الأسبق كميل شمعون، وأن المطار مسمى باسم رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وأن العصبيات السياسية والطائفية تستدعي عصبيات مواجهة.
لم يتمكن رئيس الجمهورية الإيرانية، مسعود بزشكيان، بدوره، من الحضور، لأسباب عزيت لعدم تلقيه دعوة من الحكومة اللبنانية، وناب عنه رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية، عباس عراقجي، وأفراد من عائلة قاسم سليماني، فيما ألقى ممثل المرشد الإيراني في العراق، مجتبى الحسيني، كلمة علـي خامنئـي.
لم تترك إسرائيل، الحدث طبعا، من دون إرسال رسائلها أيضا، فحلّقت مقاتلاتها فوق بيروت، وأعلن وزير جيشها يسرائيل كاتس، أن ذلك بهدف توجيه رسالة واضحة مفادها أن «كل من يهدد بإبادة إسرائيل ستكون هذه نهايته» فيما أشارت مصادر أن تلك الطائرات شاركت في اغتيال نصر الله في 27 نيسان/ إبريل الماضي.
تشير هذه الرسائل إلى محاولة الحزب التشبّث بماضيه الذي يجمع بين مقاومة إسرائيل، ونفوذه الكبير في لبنان، وتدخّلاته الشائكة في سوريا والمنطقة العربية، أما الرسائل الأخرى، سواء القادمة من لبنان الرسمي، أو التي يعبّر عنها التمثيل الأقل من المطلوب من إيران وفصائلها في المنطقة العربية، فتقول إن الزمن تغيّر، وإن ما يجري هو تشييع لذلك الزمن الماضي الذي كان السيد حسن نصر الله النموذج الأكبر عليه.

المصدر: “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى