ثوار سوريا.. وشيعة لبنان..!
“المدارنت”..
أشعر بالحزن والالم العميقين، وأنا أتابع تدهور العلاقات بين شيعة لبنان وسنة سوريا الى درك لم تبلغه من قبل، وانتشار موجات كراهية طائفية متبادلة ونذر عداوة وسوء ظن وشكوك على إثر التطورات الأخيرة في سوريا وتورط “حزب الله” في الصراع الدائر بدون وجه حق.
لا اريد أن أتطرق الى الجوانب السياسية من هذه المسألة، ولكني القي باللائمة والمسؤولية أولا وأخيرا على عاتق النظام الإيراني ومشروعه الطائفي في عموم المنطقة هو وأدواته المرتبطة به, وعلى رأسها كافة حزب الله الذي خطف الطائفة الشيعية في لبنان وسرقها من ثقافتها ومن وطنيتها وموقعها التاريخي والقومي الرائد قديما وحديثا, ووظفها لصالح المشروع الايراني المعادي للعروبة والاسلام الحضاري.
لا اريد أن أخوض وأذهب بعيدا في هذا الجانب, ولكني أريد تخصيص حديثي هنا للتذكير ببدهيات وحقائق ثابتة في التاريخ, أرفض أن أسميها عريضة دفاع عن شيعة لبنان, لأنهم في غنى عن أي دفاع من أي كان, وليسوا أصلا في موقع اتهام كطائفة حتى اتطوع للدفاع عنهم, لكنه حديث موجه أصلا للسوريين, من أهل بلدي وقومي, ومن انصار ثورتها العظيمة مثلي, قبل غيرهم, تحذيرا وتنبيها لكي لا ينجرفوا مع موجات الكراهية المنبعثة من أفواه ذات رائحة طائفية كريهة لا تريد الخير لا لشيعة لبنان ولا لسنة سوريا ولا للبنانيين والسوريين جميعا, بل ولا للعرب والمسلمين لأن هذا الانجراف في حال حدوثه سيحقق لأعداء الطرفين أهم أهدافهم, أي الفتنة الطائفية الهالكة المهلكة, وسيأتي على ما تبقى من اسس الوجود الوطني والقومي المشترك, ويهيء البيئة الموضوعية لأصحاب المشروع الطائفي الإيراني لتحقيق أحلامهم في دثر العروبة وتمزيقها , ومعهم بلا شك ايضا الصهاينة واسرائيل في المنطقة.
شيعة لبنان حتى ظهور حزب الله عام 1983، هم رواد وقاعدة كل الحركات الوطنية الثورية والقومية والاجتماعية الاصلاحية في لبنان, وفي طليعة النضال من أجل القضايا القومية العربية, فلسطين والتحرر من الاستعمار, وبناء الوحدة العربية, وهم جمهور التيارات الناصرية الحاضن لها, وحماة الثورة الفلسطينية بكل فصائلها المساند, ولولاهم لما تجذرت فصائلها في جنوب لبنان منذ عام 1968 حتى عام 1982, ولما تحملوا فاتورة الهجمات الاسرائيلية المتكررة بما فيها الغزو الشامل اربع مرات على الاقل.
كان الصديق الاستاذ طلال سلمان الذي يبدو الان وكأنه يعاني تمزقا بين فطرته القومية الأصيلة ورياح الموجة الطائفية المتلاطمة حوله, كان يذكرني دائما بأن شيعة لبنان خلال الخمسينات والستينات خرقوا نواميس ثقافتهم الشيعية، وضحوا بها تعبيرا عن ايمانهم والتزامهم بالثقافة العروبية التحررية, إذ انتشر بينهم في تلك الحقبة تسمية أبنائهم باسم (خالد) تيمنا بالزعيم الكبير جمال عبد الناصر, وتعبيرا عن اندماجهم بالعروبة.
شيعة لبنان، رواد الثقافة الحديثة أيضا بدءا من جبل عامل ومصادر الاشعاع والتنوير التاريخية المتعددة التي شعت منه واتسمت بالاستمرار والتجدد والاصالة, وانتهاء بظاهرة شعراء الجنوب المتميزة, ورموز حركة النقد والفكر الاجتماعي والفلسفي ايضا, وكلها أغنت الثقافة العربية المعاصرة وغذتها بينابيع الابداع والحداثة.
شيعة لبنان، مثل بقية اللبنانيين، تربطهم بشعب سوريا جذور مشتركة وثقافة واحدة وتطلعات موحدة, وأكبر جناية تقع عليهم تمييزهم طائفيا أو بأي سمة أخرى سوى العروبة, لأنها تعني تمزيقهم وخطفهم وسرقتهم من أمتهم ومن تاريخهم وانتمائهم وحضارتهم.
ما فعلته ايران بواسطة “حزب الله”، هو هذا الخطف والتمزيق والالحاق, ولكنها محاولة لم تنجح إلا جزئيا حتى الآن. فكثير من مثقفي الشيعة اللبنانيين وأئمتهم وكتابهم وصحافييهم وشعرائهم يقاومون هذه المحاولة الجنائية المقيتة, وكثير منهم أعلن منذ اليوم الأول انحيازه المبدئي والاخلاقي والقومي الى جانب الشعب السوري في ثورته على نظام الأوباش واللصوص والقتلة الذي استباح كل المحرمات، واقترف كل المنكرات والموبقات حتى تفوق – والحق يقال! – على التتار والفرنجة والصهاينة ولم يعد مقبولا ولا ممكنا استمراره مهما كانت نتائج الثورة باهظة ومؤلمة على الشعب السوري.
ولا بد أن نذكر أنه ما من تظاهرة انطلقت في بيروت، تأييدا لحق الشعب السوري في الثورة إلا وكان على رأسها مثقفون ورجال دين وفنانون شيعة. ولا يمنعني عن ذكر الاسماء إلا الحذر من اغفال البعض منهم لكثرتهم.
إننا نحن السوريون المنتمون للثورة على نظام الأوباش واللصوص والحاقدين، أعداء الانسان والتحرر والكرامة لنشعر بالحزن الشديد على ما يتعرض له أخوتنا شيعة لبنان من تشويه وتضليل، وتجييش طائفي كريه بواسطة الدعاية التحريضية لايران و”حزب الله”, ونشعر بالالم أن يوضعوا في مواجهة الشعب السوري, وأن تشعل الفتنة بينهم لأي سبب, ولا نقبل أيضا من أي جهة سوريا أو عربية الاساءة لشيعة لبنان بالعموم وتحميلهم مسؤولية تورط شطر منهم في الصراع والقتال ضدنا وضد شعبنا, ولا نرضى أخذ البريء بجريرة المسيء, ونرفض إلحاق هذه الطائفة الكريمة الاصيلة من أمتنا بالمشروع الايراني المشبوه جملة وتفصيلا, لأنها أغلى علينا من بعض الخسائر المؤقتة.
ونحن على يقين بأن العقلاء والمخلصين من الجانبين، سيعملون على اصلاح العلاقات لتعود الى مجراها الطبيعي، وتجاوز المؤامرة الكريهة التي تسعى للفتنة وتمزيق نسيج الامة وتشويه تاريخ الشيعة العرب كما تشويه الاسلام الحضاري والشعبي والوطني الذي يسود شعوبنا في كل اقطارها وفي مقدمتهم الشعب السوري. وأرى أن علينا أن نشكل اليوم قبل الغد حركة ثقافية للنضال ضد الطائفيين من الجانبين, على قاعدة الوحدة الوطنية وتأييد الشعب السوري في ثورته على نظام الاسد والحفاظ على خصوصيات العلاقة التاريخية الحميمة بين السوريين واللبنانيين جميعا.