حــرب الـمــشــط*!
خاص “المدارنت”.. (قصة قصيرة).
الزمان: 8/ 10 كانون الأول 1959/ المكان: البرازيل/ مدينة كوريتيبا/ ساحة تيرادينتس plaza tiradentes.
في العام 1959، أعلن حاكم الولاية “مويسيس لوبيون”، حملة زيادة المداخيل الضريبية على جميع السلع، ويقتضي ذلك التدبير إلزام المحلات التجارية بإعطاء فواتير بيع للزبائن؛ وكان الإغراء يتمثل باستبدال أي فاتورة تتجاوز 3 آلاف كروزيرو، بقسيمة يانصيب تبلغ جائزتها مليون كروزيرو، ما كان يعتبر ثروة آنذاك؛ وفي إعلان شمل المدينة ضمن شعار: “قسيمة شرائك تساوي مليون” . Seu talao vale um milhao.
بعد ظهر الثلاثاء، الثامن من كانون الأول عام 1959، دخل “أنطونيو تافاريس”، الضابط في شرطة “بارانا” العسكرية، إلى متجر “بازار المئوية” في ساحة “تيرادينتس”، قلب مدينة “كوريتيبا”، وطلب من صاحبه التاجر اللبناني “أحمد نجار” مشطاً بقيمة 15 كروزيرو، ثم طلب منه فاتورة بالقيمة المدفوعة، ما أثار جدلا واسعا بينهما،حيث جادل التاجر أن التشريع يعفي من إصدار فاتورة لا قيمة لها، ولا تفيد الزبون بشيء، بينما جادل الضابط أن طلب الفاتورة لم يكن مجرد مسالة مادية، بل مسألة مبدأ.
وتطور الجدال إلى خلاف وتدافع وتضارب بالأيدي، وتدخل مساعدو التاجر لنصرته، واستطاعوا طرد الضابط ، وطرحه أرضا خارج المتجر، حيث تبين أنه أصيب بكسر في إحدى رجليه؛ وعلى ذمة الرواية، أن المشط انكسر أثناء العراك.
آنذاك، اندفع عشرات الاشخاص الذين كانوا يتابعون المشهد، للانتقام للضابط المكسور، وخلال بضع دقائق، تم تخريب محل “أحمد نجار”، وإلقاء محتوياته على الرصيف، وسرعان ما تكاثر عدد المحتجين، حيث ناهز 300 شخص، توزعوا في الساحة الرئيسية، وفي الشوارع المؤدية اليها، يخربون وينهبون وويحرقون ما يصادفهم من محلات تجارية، كان معظم أصحابها من العرب.
وأصبحت ساحة “تيرادينتس” ساحة حرب حقيقية، هي حرب المشط، بينما اقتيد التاجر إلى مركز الشرطة، ونقل الضابط المكسور إلى المستشفى، في حين كانت أعداد المشاغبين ترتفع بسرعة، مع مشاركة العمال الخارجين من وظائفهم عند ساعات المساء؛ واستمرت أعمال الشغب حتى ساعة متأخرة من الليل، إلى أن حاصرت الشرطة الميدان، وانجلى الصباح عن اخبار وقوع عشرة جرحى، ثمانية منهم من رجال الشرطة، وعن 30 سجيناً من المشاركين في أعمال الشغب، حسب إفادة الشرطة المحلية.
في اليوم التالي، التاسع من كانون الأول، توسع الشغب في الشوارع المحيطة بالساحة الرئيسية، واعتمد في مجمله على أشخاص قادمين من الأحياء الداخلية، لم ترهبهم طلقات نارية من مسدس “سليم مطر”، صاحب محل “الإخوة الثلاثة”، ولا دبابات الجيش التي أخذت مواقعها في الساحة الرئيسية، بل هاجموا بعنف كل ما طالته ايدي تخريبهم، من ممتلكات الأجانب من دون تمييز، فدمروا متاجر العرب واليهود والايطاليين.
وما إن جاء اليوم الثالث من حرب المشط، حتى دبّت الفوضى في عموم المدينة، واستهدفت في طريقها المتاجر والمحلات الكبرى، وأكشاك الصحف والمجلات، ثم انتقلت إلى المؤسسات الكبرى، حكومية وغير حكومية، حتى طالت في تخريبها مراكز للشرطة، ومكتبة “بارانا” العامة؛ وتجاوز عدد المشاركين في الفوضى 30 الف شخص.
ذلك دفع حكومة الولاية، إلى استقدام تعزيزات من الشرطة ورجال الإطفاء ومن قوات الجيش ايضاً، وأعلنت حظر تجوّل ليلي، يبدأ سريان مفعوله عند الساعة الثامنة مساء؛ وما لبث الجيش أن سيطر على المدينة، وسيّر الدوريات في شوارعها الرئيسية، وتم اقفال أماكن اللهو والبارات وأماكن التجمّع، وتوقفت عندها كل أشكال الفوضى والتخريب التي عصفت بالمدينة، خلال ثلاثة أيام متوالية .
فتاة من كوريتيبا، غطت الحرب، قائلة: أكثر من 120 متجراً تعرض للتخريب، وبعضها دمروه بالكامل، وكانت جميعها تعرف بـ”متاجر الأتراك”، والمؤسسات العامة، تعرضت بدورها للتخريب، من قبل 30 ألف مشاغب نزلوا إلى الشوارع للمشاركة في الحرب؛ بينما كتبت المجلة الأسبوعية الواسعة الانتشار في عموم البرازيل O,CRUZEIRO، عنوانا شديد الإيحاء: “مشط كاد أن يطيح برأس كوريتيبا”.
* إدارة “المدارنت” مستعدة لنشر أيّ قصة قصيرة للكُتّاب والزملاء والهواة.