د. الصيادي يعلّق على مقالة “إعتذار” للناشط السابق في “حماس” أبو أرتيمة: مراجعاتكم لا تحتمل الجدل.. إنها بديهيات!
خاص “المدارنت”..
نعم لا تعليق، هذا الفيديو تمّ نشره منذ عدة شهور، ورغم أنه مشهد تمثيلي من إخراج إعلام المقاومة الفلسطينية دفاعاً عن “طوفان الأقصى”، ولكنه يدعونا للتساؤل عن جدوى هذا الدفاع، ما دامت قناعات بعض القيادات الفلسطينية من أمثال “أحمد أبو رتيمة”، قد أخذت في التراجع عما كان من المسلمات الغيبية إلى الحسابات العقلانية؟
هذه المراجعات من قبيل راحت السكرة وجاءت الفكرة، أو كيف الخلاص بعدما وقع الفأس في الراس، تدعونا الى التساؤل أين كانت تلك الحسابات طوال عشرة أعوام من التحضير لهذا الطوفان” وهل يصحّ الاعتماد على الغيبيات في معارك ثبت عبر التاريخ أن الغلبة فيها للأقوى، باستثناء معركة “طالوت وجالوت” التي كانت فيها الغلبة لفئة قليلة على فئة كثيرة “بإذن ووعد من الله ” عز وجل؟!
هذه المراجعات التي لا تحتمل الجدل، باعتبارها من البديهيات، هل يعقل أن تكون قد غابت عن الفكر السياسي الفلسطيني؟!
كم نحن بحاجة لكثير من المراجعات للتعرف على مكامن الخلل ومزالق الزلل، أفدنا يا أبا إياد، بما يسري عن قلوبنا بعض ما ران عليها من كمد.
هذا منطق يتكئ على شراسة وهمجية العدو لتبرير التراجع، والاقرار ليس بالهزيمة فقط، وإنما بمسؤولية قوى الجهاد عن الهزيمة.
كل الحديث عن ضرورة البعد عن الأماني، وضرورة التعرف على القوى الواقعة والفرص، وضرورة فقه الأولويات، وأن لا نغامر بكل شيء، ونقبل بشيء بدل أن يضيع كل شيء.
كل هذا الحديث يعرض للتبرير، تبرير التراجع.
طبعا النقد واجب وضروري، ومن لديه القدرة في أي وقت على النقد، فعليه واجب النقد، لكن النقد شيء، وما هو مسطر شيء آخر.
هل كانت عملية “طوفان الأقصى”، خطأ استراتيجي، أم خطأ تكتيكي، أم كانت عملية نسجت بتأن، وعملت لها كل الحسابات الممكنة، واختير لها الوقت المناسب؟
1/ كل المسار السياسي في الملف الفلسطيني أخذ كامل بعده، منذ ما بعد بيروت، حتى أوسلو، ومنذ أوسلو وحتى السابع من أكتوبر، ومنذ سيطرة حماس على غزة، وحتى طوفان الأقصى، ومع ذلك لم يحصد الفلسطينيون أي شيء، من مسار التسوية.
2/ الاعتداءات على غزة لم تتوقف، والحصار عليها لم يهدأ، والتعدي على السلطة الفلسطينية المتحالفة مع حكومة تل أبيب لم يقف عند حد، وتأييد الولايات المتحدة للعدو الصهيوني لم يقف عند حد لا في دعم المستوطنات، ولا في موافقته في الاستيلاء على القدس كاملة وإعلانها عاصمة للكيان، ولا في نقل السفارة الأمريكية الى اليها، ضاربين عرض الحائط بالقرارات الدولية، وهي أساس كل العملية السياسية.
3/ ما وضح في موضوع الأنفاق أن هذه الانفاق انجزت على مدى سنوات عديدة، وأنها شكلت شبكة هائلة تحت كامل قطاع غزة،
4/ وتبين أن هذه الشبكة تم تجهيزها بالأسلحة، والأغذية، والطبابة، وطرق التواصل ما يوفر احتياجات حرب تستمر لمدة ثمانية شهور دون انقطاع. لكن المعاىك تدخل الآن شهرها الرابع عشر.
5/ وتبين أن القوة المقاتلة للمجاهدين، شملت كل فصائل “الجهاد” و”المقاومة” من دون استثناء وفي المقدمة منها “حماس”.
لا شك أن الخسائر في الجانب الفلسطيني، كانت وما تزال مستمرة وهي هائلة، والعبء الأكبر يقع على الأهالي، دمار وتشريد. ومحاولة تهجير.
لكن الخسائر على الجانب “الاسرائيلي”، هائلة أيضا، وسيأتي يوم يحسب هذا وذاك، ويوزن بميزان الحقيقة، والتناسب بعيد عن أساليب الدعاية المتبعة.
وفي الختام، أريد أن أشير إلى بعض جوانب النقص، أو الخلل، أو القصور مما يبدو أنه لم يدخل في حسبان المقاومة:
1/ أشك أن تكون قيادة المقاومة الميدانية والسياسية، قدرت بشكل صحيح حجم خذلان النظام العربي للجهاد الفلسطيني، وحجم تواطؤ هذا النظام العربي مع العدو الصهيوني، وأن يزداد هذا التواطؤ مع تواصل صمود المجاهدين.
2/ أشك أن تكون قيادة المجاهدين العسكرية والسياسية، قدرت أن المعركة سوف تستمر كل هذا الوقت، ويبدو أن الاعداد لمعركة تستمر ثمانية شهور، كان نوع من التزيد، ولمواجهة أقصى الاحتمالات.
3/ من المؤكد أن العقل السياسي الفلسطيني والعربي، بل والعالمي الحرّ، ما كان يتصور هذا التقاطر الفوري لدول الغرب الامبريالية لدعم الكيان على النحو الذي تم بتحريك الأساطيل، وارسال الطائرات، والامداد بالاسلحة والذخائر، وتدفق المرتزقة، وفتح التعاون الاستخباراتي دون حدود.
4/ والأخطر مما سبق، أعتقد أنه لم يكن في حسبان قوى الجهاد، أن تتراجع إيران وحلفائها عن الشعار الرئيسي الذي كان مرفوعا، وهو: “وحدة الساحات”، وتستعيض عنه بمفهوم “الساحات المساندة”، لقد مكن هذا التحول الاستراتيجي للعدو الصهيوني، أن ينفرد بغزة شهورًا عديدة، لما يقارب السنة، حتى إذا أنهكها، وأنهك المقاومة استدار الى لبنان، ليصفي حساباته مع “حزب الله”، ويصفي قيادات هذا الحزب، ودخل الى العمق الايراني ليفعل فيه ما يفعل.
وأقدّر، أنه لو تم تنفيذ استراتيجية “وحدة الساحات”، لكانت النتيجة إيجابية، لكن يبدو أن إيران، لم تكن في هذا الوارد، فهي لم تضع نصب عينها القدس. وإنما التمكين لمفهوم “ولاية الفقيه”، والتمكين لبرنامجها النووي،
وهنا، إن مسؤولية قيادة قوى الجهادـ أنها لم تدرك بشكل صحيح دوافع الموقف الايراني في تأييد المقاومة الفلسطيني، ولا الحدود التي يمكن أن تقف عندها.
هذا بعض ما يمكن قوله في هذا المجال، ما قامت به المقاومة جاء في وقته، وتم تنفيذه على أعلى مستوى، وقد تمّت التجهيز له كأفضل ما يمكن إعدادًا، ورؤية سياسية، وأبدى المجاهدون أداء لا مثيل له، وتقدم قادتهم السياسيون والميدانيون الصفوف.
هذه حقيقة يجب تثبيتها وبعد ذلك تأتي كل ملاحظة ويأتي كل نقد.