د. رضوان السيد: لوحدة النواب السنّة في لبنان والعناية بالشأن الاجتماعي
“المدارنت”..
عقد” ملتقى بيروت” لقاء حواريا مع الأديب المفكر د. رضوان السيّد عن “الطائفة السنّية في الحياة السياسية اللبنانية الحاضرة”، قي حضور المدير العام لصندوق الزكاة الشيخ زهير كبي ممثلا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، النائبين فؤاد مخزومي ووضاح صادق، د. خالد قباني.
بداية، قوال رئيس الملتقى د. فوزي زيدان: لقد كثُرت التساؤلات في الأشهر الأخيرة عن موقع السنّة في الحياة السياسية اللبنانية، وهم الذين كانوا يشكلون منذ الاستقلال عصب هذه الحياة ومدماك العمل الوطني، ولا غرو في ذلك فهم الطائفة الأكبر في لبنان، وكانت تشكّل مع الطائفة المارونية ثنائياً كان له الفضل في استقلال لبنان عام 1943 والحفاظ عليه رغم ما تعرّض له من هزات وخضات”. وتابع: “لقد كانت فترة الرئيس رفيق الحريري من اكثر الفترات بهاء وزهوا في تاريخ الطائفة، لما كان له من موقع متقدم في الحياة السياسية اللبنانية، نتيجة ما كان يتمتع به من شخصية قيادية آسرة وحكمة وصبر وحنكة وخبرة في تدوير الزوايا وعلاقات واسعة ومميزة مع قيادات العالمين العربي والدولي، فهو كان يشكل لعقد من الزمن محور الحياة السياسية في لبنان وفي العالم العربي في أحيان أخرى”.
السيّد
من جهته، قال السيّد: “تنتشر من جديد الشائعات أن لودريان عائد في 17 تموز، وأنه بعد التشاور مع الدول الأربع أو الخمس سيدعو إلى طاولة للحوار الوطني للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. فهل الفكرة مطروحة فعلا؟ وإذا كانت فمن يدعو إليها من الفرقاء السياسيين ويترأسها؟ أول ما يرد على الخاطر الرئيس نبيه بري لكنه صار فريقاً وعنده مرشح محدّد مع حزب الله. ومن الجهة المسيحية هل يكون هناك حماسٌ للفكرة؟ وبخاصةٍ أن الفرقاء المسيحيين الرئيسيين يرون كما أعلنوا عن ذلك أنّ الدستور يحدّد موطن الانتخاب في مجلس النواب، وفي دوراتٍ متتالة إلى أن يتمّ الانتخاب”.
وأشار إلى أن “المقصد من هذه المقدمة التساؤل عن موقع ودور أهل السنّة في سائر هذه الأفكار والمشروعات على مشارف الانتخاب. معظم أهل السنّة نوابا وغير نواب مع الطائف، والآلية في الطائف لانتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب. والمنطقي إذا كان يراد إجراء حوار وطني فينبغي أن يكون بعد تكوين السلطة، أي بعد انتخاب الرئيس. ثم إنه سواء أكان الحوار وطنياً وقبل انتخاب الرئيس أو بعده، فإن الفرقاء السياسيين ذوي القوة التمثيلية لدى الشيعة والمسيحيين معروفون، فمن هو الفريق السنّي على هذه الطاولة المستديرة؟ دورة الاقتراع الثانية عشرة في مجلس النواب ما أظهرت فريقا سنّيا أو فريقين بل كان هناك تشرذم إلى أربعة فرقاء أو أكثر. ولا يستطيع أي من هؤلاء الفرقاء أن يدعي القوة التمثيلية المرتجاة. ثم إن النواب السنّة الذين سألتُهم يعطون أهميةً لرئاسة الحكومة بقدر رئاسة الجمهورية. ولا يقبلون حوارا من أي نوع يجري التعرض فيه للطائف باتجاه التغيير أو التعديل؛ بل كل ذلك يمكن التفكير فيه بعد تكوين السلطة بالرئاسة والحكومة. وليس هناك اليوم توازن لعدم وجود المرجعية السنّية التي ينبغي أن تكون مؤهلة من حيث القدرة والخبرة ، وقوة التمثيل في إحداث هذا التوازن الضروري في الحياة الوطنية والعيش المشترك”.
أضاف: “هكذا فإن أولى مسؤوليات أهل السنة أو نوابهم السعي الحثيث لاجتماع الكلمة بحيث يكون للأكثرية المجتمعة أن تكتسب دورا معتبرا في انتخاب الرئيس، وبالتالي في الحكومة المقبلة ورئيسها. هل اجتماع الكلمة أو الأكثرية ممكن؟ هو بالطبع ممكن بل مرجح لأنّ هناك عدة تكتلات صغيرة أومتوسطة وإذا توافق تكتلان أو ثلاثة على الاجتماع في انتخاب الرئيس، وفي ترشيح رئيس الحكومة والتحادث بشأنه مع الآخرين فيكون ذلك خطوة واسعة باتجاه استعادة الدور، وبالتالي استعادة التوازن وهو الأمر الذي يخدم الحياة الوطنية في الحاضر والمستقبل”.
وتابع: “الملاحظ في الفضائيات والمواقع الأخبارية في الأسابيع الأخيرة، المناقشات المستفيضة في موضوع “الفيدرالية”. ومع أن المشاركين في الحوارات وكتابة الدراسات أفراد، فالمفروض أن هناك جهات دافعة. والأمر على كل حال هو من حقوق المواطنة والحرية. لكننا نختلف في المبادئ والأهداف، ونلاحظ أن الضحية الأولى في كل هذا المناقشات إنما هو ميثاق الوفاق الوطني والدستور. لكنني أود الملاحظة أيضا وأيضا أن حزب القوات اللبنانية أصدر بيانا واضحا بشأن الالتزام بميثاق الوفاق الوطني والدستور وآليتهما لانتخاب الرئيس في مجلس النواب، وكل من يحيد عن ذلك يريد الخروج عليهما وعلى العيش الوطني الجامع. وبعد يومين رد حزب الله ببيان جاء فيه أنه لا يسعى لتغيير ولو حرف واحد من الدستور”.
وقال: “في هذا المنحى ما يدعو الى التفاؤل والتشجيع،الحزب مستنفَر للوصول إلى شرعنة سلاحه وتقنين ذلك. والمسيحيون مستنفَرون لأنهم لا يقبلون الغلبة واستمرار اختلال النظام بالإصرار من جانب الثنائي الشيعي على عدم الخضوع للدستور في امتلاك السلاح، وانتخاب رئيس الجمهورية”.
وأشار الى ان “هذا هو الدور الآخر للسنّة في سياق استعادة التوازن في النظام، لأنهم بذلك يعودون – لدورهم الوطني في تشكيل اللحمة الوطنية التي تستطيع العمل استنادا إلى وحدتهم الداخلية، ليسهموا في إيقاف الانقسام والتوصل إلى حكومةٍ متوازنةٍ أيضاً، لأنها هي السلطة التنفيذية أو الإجرائية التي تطبق الشراكة في إدارة الشأن العام”.
أضاف: “فلننظر في المسائل الأخرى قبل العودة للشأن الداخلي. لبنان عربي الهوية والانتماء بحسب مقدمة الدستور. ولذلك فإن شأن السنّة مثل شأن كثرة من المسيحيين في اعتبار العلاقات العربية بخاصةٍ مع المملكة العربية السعودية عملا أساسيا في التوازن المنشود. لقد كان الأمر على هذا النحو في تاريخ لبنان الحديث، وكان كل نزاع سياسي أو أمني يستهدف أول ما يستهدف البعد العربي للبنان. ونحن نشهد التدخل الإيراني والذي هدد وحدة البلاد واستقرارها، وأبعد العرب عنها”.
واعتبر أنه “من الطبيعي التوجُّه لتصحيح الوضع. فليس للسعودية ولا لمصر مثلاً ميليشيا في لبنان، ولا تريد التدخل السلبي في شؤونه. السعوديون اليوم وهم في مجموعة الدول الخمس المعنية بالشأن اللبناني، مع وحدة لبنان واستقراره ومن ضمن ذلك السنّة، وقد تدخلوا في السابق لإحقاق هذا الهدف: الوحدة والاستقرار، وأهم محطات التدخل دعوة النواب للاجتماع في مدينة الطائف عام 1989 الذي انهى الحرب وصنع الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تجلّت آثاره في ميثاق الوفاق الوطني والدستور، وإعادة إعمار البلاد في التسعينات، وبعد الحرب على لبنان عام 2006. هم يقولون اليوم إنهم مع لبنان على الصُعُد كافة، ويريدون أن يتوحد اللبنانيون من وراء مؤسساتهم الدستورية، والتي أُعيد تشكيلها في الطائف. خبراء الدساتير والقانون الكبار يقولون إنّ دستور الطائف ما يزال أفضل الصيغ لإدارة المجتمعات المتنوعة”.
وقال: “ملفات أهل السنّة الأُخرى وهي لا تقلُّ في الأهمية عما سبق: التعليم والمؤسسات الاجتماعية والدينية. عندنا قصورٌ وعجزٌ مؤثران في الحاضر والمستقبل في هذه المجالات كلها. لا بد أن نتحرك في الدواخل للتضامن وسدّ الحاجات والنهوض من الكبوات. وبالطبع نذهب دائماً إلى العرب كما كنا نفعل من قبل. لا ينقصنا المال فقط، فقد ظهرت جهاتٌ عديدةٌ فاعلةٌ سواء في المجالات الاجتماعية أو في مجال التعليم. إنما وسط غياب الدولة واختلالات السنوات الماضية في سياساتها المالية والتنموية وضعف العلاقة مع العرب، كل ذلك يجعل من المسألة السياسية جزءًا أساسياً في إصلاح الأوضاع الاجتماعية والتعليمية. والإدارة الذاتية في المجتمعات الحديثة تظلُّ قاصرةً إن لم تكن غير ممكنة، كما أنّ المؤسسات الخيرية مهما بلغت فعاليتها لا تحلُّ محلَّ الدولة، ولا محلّ العرب؛ وهي لسوء الحظ تُعاني الآن من الضعف ونقص الاستثمار فيها”.
وتابع: “كيف يمكن الاتجاه إلى الفعل؟ سمعتُ كلمة مفتي الجمهورية عندما عاد من الحج، وكانت كلمةً مؤثرة. وعلى المستوى السياسي يتقدم النواب الأفراد والتكتلات لصنع الإدارة الجديدة. وعلى المستوى الاجتماعي تتقدم الجمعيات التعليمية والاجتماعية وقد شكلت ائتلافاً لتصنع الفرق الذي ننتظره جميعاً. ليست هذه آخِر الدنيا فخلال مائةٍ وخمسين عاماً، كان هذا العقد من المؤسسات التعليمية والاجتماعية، مؤسِّساً وبانياً ومطوِّراً. وقد دعت للإنشاء الاحتياجات والطموحات آنذاك؛ وهي اليوم أشدّ وأدهى. إرادة النهوض هي التي دفعت في الماضي لتوليد المؤسسات وتنظيمها ومدّ نشاطاتها واهتماماتها وتطويرها. وللزمن الحاضر احتياجاته وضروراته الجديدة التي يجب تلبيتها اليوم قبل الغد”.
وختم: “هناك “سوسيولوجي” (عالم إجتماع) ألماني كبير اسمه “ماكس فيبر” (1864-1920) يقول في محاضرته: العلم والسياسة باعتبارهما حرفة; إنه ينبغي أن يتوافر في العالم أو السياسي: الإحساس بالرسالة، والاحتراف. وقد ظهرت لدى أجدادنا في المدن دوافع النهوض والتجديد وهم يرون العالم يتغيّر من حولهم حتى عند جيرانهم ومواطنيهم. فالرسالة هي اقتناع بالمهمة، أما الاحتراف فيعني التفرغ للعلم والتعليم والبحث العلمي، وفي السياسة التفرغ للعمل السياسي. الرسالة رسالة نهوض وإرادة وتحمل للأعباء، والاحتراف نذر للنفس للعمل العام بداعي الرسالة وإرادة النجاح:نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا”.