عربي ودولي

دور النقابات كحامل للتغيير الديموقراطي (في سوريا)

“المدارنت”..
في المرحلة الانتقالية التي تمر بها سورية تتضافر مهمة بناء الدولة وتوحيد البلاد وإرساء الأمن مع مهمة إطلاق التحول الديمقراطي، هذا التحول الذي يلعب فيه المجتمع المدني دورًا رئيسيًا لتجذير الهدف الديمقراطي في الدولة كي لايبقى قشرة على السطح يسهل اقتلاعها واستبدالها باستبداد مهما كان نوعه.
من بين الهيئات المتعددة للمجتمع المدني يبرز دور النقابات المهنية والعمالية والروابط القريبة منها كحامل اجتماعي رئيسي للتحول الديمقراطي.
شهدت سورية دورًا رياديًا للنقابات في مقارعة نظام الأسد الاستبدادي في نهاية السبعينات 1978- 1979 , بعد  أن تم إبعاد البعثيين من القيادات النقابية عبر الانتخابات وكان لتحركها في دمشق وحلب وبقية المحافظات أثر كبير في الحركة الشعبية التي واجهت النظام الاستبدادي نظرًا لطابعه المدني والعقلاني ولعمق تمثيلها للمجتمع السوري والذي تزامن مع  العصيان العام في حلب وحماة وحمص وفي كل الشمال السوري.
واجه الأسد ذلك التحدي غير المسبوق باعتقال القيادات النقابية بمن فيهم أساتذة الجامعات وفي بداية العام 1980 جرى حل جميع النقابات المهنية عبر إصدار حافظ الأسد المرسوم 24 الذي خول فيه السلطة التنفيذية بحل النقابات وتحت غطاء ذلك المرسوم تم حل النقابات واستبدالها بجمعيات مهنية يتم تعيين قياداتها من قبل النظام.
دخلت سورية طورًا جديدًا من إرهاب السلطة للمجتمع والقوى السياسية  بعد مجزرة حماة الدامية ومجازر تدمر وحي المشارقة بحلب ومجزرة جسر الشغور . وهكذا تم القضاء نهائيًا على دور النقابات السياسي المستقل.
بعد إسقاط النظام البائد أصبحت الفرصة متاحة لاستعادة الدور الإجتماعي والسياسي للنقابات المهنية والعمالية بشرط تحقق استقلالها التام عن السلطة التنفيذية، واختيار قياداتها النقابية على أسس الانتخاب الديمقراطي الحر.
يمكن أن تكون النقابات أداة وطنية تلجم النزعات الطائفية، وتعيد إحياء الحياة السياسية بمضامينها السلمية الحداثية، وتقدم للفرد الحماية والضمانة الاجتماعية في الوقت ذاته.
كما يمكن للنقابات أن تكون الركيزة الرئيسية للمجتمع المدني والذي لابد أن يضم الأحزاب السياسية والجمعيات التطوعية والمنتديات السياسية والفعاليات السياسية الديمقراطية المجتمعية.
رغم الصعوبات وبعض الظواهر السلبية مثل تعيين قيادات نقابية بديلة عن القيادات السابقة المعينة زمن العهد البائد من قبل الحكومة الحالية، فهناك حاجة ماسة لتحرك القواعد النقابية باتجاه  الضغط لانتخاب مجالس نقابية جديدة تنسجم مع طبيعة المرحلة وهامش الحرية المتاح حاليًا لتثبيت استقلالية النقابات وحقها في اختيار ممثليها ولا ينبغي الانتظار كي يقدم ذلك الحق من قبل الحكومة على طبق من ذهب.
هناك عدة أمثلة وهي على قلتها تشير لاستعداد العهد الجديد للانفتاح على المطالب المتعلقة بالحريات وعودة الحياة السياسية ومنها ترخيص منتدى الكواكبي السياسي  في حلب ومباشرته النشاط العلني بعقد الندوات السياسية، وترخيص مؤسسة المواطنة المتساوية بدمشق، والتساهل في عقد بعض الندوات  السياسية العلنية لكن ماتزال هناك ضرورة لتوسيع وتثبيت الاعتراف بمؤسسات المجتمع المدني وبأهمية مشاركتها السياسية والثقافية والاجتماعية.
وفي وضع يتطلب المزيد من الاستقرار والخروج من التخندق الطائفي ومد الجسور بين المكونات الاجتماعية وتوسيع الحوار بين السوريين  يمكن التفكير بأن دورًا فاعلًا وحيويًا للنقابات سوف يشكل حائط صد للنزعات التعصبية والطائفية والتقسيمية وحاضنة للروح الوطنية حيث يتم بناء المواطنة والديمقراطية ممارسة وثقافة في سياق التحول الديمقراطي.
ومنذ أيام شهدنا كيف استطاعت نقابة المحامين في السويداء رفع الخطاب الوطني الديقراطي إلى مستوى غير مسبوق بجرأة وشجاعة وبطريقة حضارية وسلمية واضعة الطرح الإنعزالي في مأزق حقيقي . ولاشك أن انضمام بقية النقابات لنقابة المحامين سوف يخلق ديناميكية تحاصر الطرح الانعزالي وتجعل منه خيارًا يفتقد المنطق والاقناع وتنتزع منه المبادرة السياسية وتمهد للحل الوطني في السويداء.

الرأي الأسبوعي لـ”ملتقى العروبيّين السوريّين”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى