تربية وثقافة

رائدات رسمْن بالريشة والحرف أحلامَهنّ المبعثرة.. الجزء “1 ـ 2”

الزميلـة مطـر

كتبت سـارة مطـر* اخترن الحياة، كافحن وقاومن شتّى المعوّقات والصعاب، فانسابت أحلامهنّ وآمالهنّ إبداعاتٍ أدبية، نثرية وشعرية، وفنونًا تشكيلية، رسمت جسر العبور إلى حيث النور والأمل. شاعرات وروائيات ورسّامات، اجتمعن حول المعاناة والعذاب، فكانت “انتفاضة الروح” و”خربشات على جدران الواقع”. تسلّحن بالإيمان والإرادة، آمنّ بقدراتهنّ ومواهبهنّ، فكان لهنّ “حقُّ التوقيع” وأشعلن نورًا في غياهب الظلام.

من الاعتلال العصبي إلى الشلل الدماغي، فصعوبة النطق وفقدان البصر والسمع، محطات نستعرضها، للوقوف على لمساتٍ مضيئة، علّها تفي تلك المناضلات جزءًا من حقّهن، فتجمع معهنّ “حروفًا مبعثرة على أرصفة العمر، يكملن بها قصائدهنّ التي لم تكتمل بعد”.

سوسن حسن الرمّاح: من لا يصادق الحزن يهزمه

“أفتح دفاتر قديمة أهملتُها لزمنٍ، أقرأ عليها بعض ما خطته فتاة مجروحة مهملة، من أفكار لا تدرك مَن هي. هي ككلّ فتاة تحلم يومًا ما أن تحصد الشهادات العليا، أن ينتظرها حبيب على مفترق الطريق، ليهديها وردة حمراء، أن تتزوّج وتنجب، أن تجد عملًا تحقّق فيه ذاتها وطموحها”. تمنياتٌ وأحلامٌ بسيطة تطرحها الشاعرة والروائية سوسن الرمّاح في حديثها إلينا، متسائلةً: “أين كل هذه الأحلام؟ هل تجرؤ أن تبوح بها، حتى لأقرب الناس إليها؟!”.

الشاعرة والروائية سوسن الرماح في كتابيها الأول والثاني

سوسن التي شاء القدر أن تخسر نطقها السليم، جرّاء خطأ طبي أثناء الولادة، لم تردعها مصاعب الحياة عن تحقيق أهدافها، فاتّخذت الورق صديقًا لها. كافحت منذ ولادتها في العام 1977، تمسّكت بإرادة التحدي وآمنت بقدراتها، فكان أن خطّ قلمها كتابين من الشعر الحر: الأول بعنوان “لكَ حقُّ التوقيع”، الذي غيّر مجرى حياتها، والثاني بعنوان “نساءٌ شرقيات – الجزء الأول”، وهي تعدّ رواية بعنوان “ذاكرة الأنا”، لا تزال قيد الطباعة، وستكون بمثابة انتقال إلى عالم آخر.

“من لا يصادق الحزن، يهزمه”، كما تقول الرمّاح، “لقد صادقتُه وانتصرتُ عليه، حيث أنّ بعض الأحلام حققتها بالتحدي والإصرار والقوة. أكملتُ دراستي ولم أكترث لكلام البعض ومحاولته إحباط عزيمتي بالقول إنّه لا داعي للتعلّم، لأنّني لن أجد عملًا، كوني لا أجيد الكلام بشكلٍ سليم. فلقد كانت نظراتهم تجرحني، منهم مَن كان يسخر مني حين أبدأ الكلام، ومنهم مَن كانت ترتسم في عينيه نظرة شفقة، عدا التهميش والألفاظ المؤلمة والجارحة التي نعتادها مع مرور الوقت”.

إثنان وأربعون عامًا من النضال والطموح، لم تقف سوسن برهة أمام العوائق طيلة هذه الأعوام، إنّما تمكّنت بفضل مثابرتها وجهود الداعمين لها، من أن تتخصّص في مجال الإدارة والتسويق، وأن تنضمّ إلى أسرة الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم MUBS، فرع عاليه، حيث أثبتت جدارتها وكفاءتها. “لقد استطعتُ بإصراري تحقيق حلمي القديم، وهو الجلوس خلف مكتبٍ”، تقول الرمّاح التي استهوتها الكتابة، فبدأت بخواطر نشرتها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ولفتت بها أنظار الكثيرين، بينهم سيدة من أقربائها، كانت تحادثها عن أحلامها وجراحها، فاقترحتْ عليها جمع خواطرها في كتاب، وهذا ما حصل، فكانت تلك السيدة الداعمة الأولى لمسيرة إبنة بلدة المشرفة في عاليه.

كتبت سوسن وجع الحبّ الجميل، فجعلت من الدمعة كلمة، ومن الجراح فاصلة، ومن الموت عبارة. حاولتْ بعد توقيع كتابها الأول، أن تبحر في ميدان الأمسيات الشعرية، غير أنّ أحد الشعراء رفض انضمامها إلى منتداه، بحجّة أنها لا تملك المقدرة على الإلقاء، ولا على المشاركة في أمسيات بعيدة، غير أنّ صاحبة “صالون بنت الأرز الأدبي”، بادرت إلى التجاوب مع طلب سوسن بالقول: “أهلًا وسهلًا بكِ، أنتِ اكتبي ونحن نلقي عنكِ”. هكذا انطلقتْ في قطار الأمسيات، فأحيتْ العديد منها، صانعةً عالمها الخاص.

“الجراح لا تُنسى، لكنّنا نحاول أن نتناسى، وحياتنا نحن نقرّرها مهما كانت الظروف”، تضيف الرمّاح، مبديةً أسفها كون “مجتمعنا مجتمعًا فاشلًا، يرى الإنسان بالحواس وليس بالفكر، لكن عزائي الوحيد محبة من تعرّف إليّ وجالسني من أهل الأدب والشعر وكلّ مَن صادفته ورمقني بنظرة إعجابٍ تتماهى مع إمكانياتي”. وتختم سوسن بالقول: “إن لم تجد حقوقك في مجتمعك، انفتح على العالم”.

وفي قصيدتها “بالمختصر”، تختزل آهاتها بالقول: “أجمع حروفي المتبعثرة على أرصفة العمر لكي أكمل بها قصائدي التي لم تكتمل…”.

غادة جهاد بو فخر الدين: لا زلتُ في أول الطريق

لم تكن تعلم أنّ شهر نيسان/ أبريل من العام 1997، سيكون نقطة التحوّل الجذرية في حياتها، غير أنّها مضت غير آبهة بفقدانها القدرة على المشي، إيمانًا منها أن “الله يضع أمامنا إشارات لتسهّل علينا الحياة، وأنّ الله عندما يحرم عبدًا من شيء يكافئه بأشياء”.

من بلدتها المتنية، قبّيع، وبصحةٍ متقلّبة، أمضت الشاعرة غادة جهاد بو فخر الدين سنوات عمرها تصارع مرضًا مستترًا، لم يلحظه أحد غيرها، حيث أنّها عانت من الإنطوائية والخجل وتزعزعت ثقتها بنفسها، إلى أن ظهر مرضها، وكأنه ظهر ليخفي قلقها النفسي.

وفي حديث إلى مجلتنا، تقول غادة: “وُلدتُ في الرابع من آب عام 1978، وكان قدري أن أعاني من مرض خلقي وراثي، هو مرض الاعتلال العصبي الطرفي (Peripheral Neuropathy) وأن أفقد القدرة على المشي، وأنا تقريبًا في سن الثامنة عشر، غير أنّني اعتبرتُ كلّ ما مررتُ به تمهيدًا لما ينتظرني”.

غادة بو فخر الدين في انتفاضة روح

وتتابع: “لم أكن متميّزة بالمدرسة فحسب، بل كنت مثال الطالبة الخلوقة، حيث كنتُ أخبّئ ضعفي من خلال تصرفاتي اللبقة. ثابرتُ على العلم والمعرفة، وشرعتُ في دراسة إدارة الأعمال، قبل أن يأتيني عرض للسفر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أُتيحت لي فرصة الخضوع لدوراتٍ في السكرتارية والـGraphic Design. عشقتُ الكتابة والشعر والرسم، إلى المواضيع الباطنية والأساطير، وبدأت تتبلور لديّ الأفكار، فباشرتُ الكتابة على شكل نثريات، وتطوّرت قدراتي الأدبية، لطالما كنتُ إنسانة حالمة، خطت أناملي نثرًا انساب وكأنّني أحادث صديقًا أو صديقة”.

“…يا ملهمتي

أعيريني صوتك

لكي أكتب

وأنثره في الفضاء

ليزهر ورودًا

ويفوح عطره

همسُ أيل ما عاد يلبيني

صادر شِعره وهرب

حاولت أن أجسده برسمة

كي أحتفظ به

حاولت أن أقيده على الورق

لكنه هرب

ما عاد لي إلاكِ

لا تتركيني”.

ولعلّ وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الباب أمام غادة، الشابة الأربعينية، لتعبّر عن أفكارها، لتشارك وتعلّق وتتفاعل مع شريحة واسعة من الأشخاص، بكل جرأة وثقة، فكان أن طبعت كتابها الأول بعنوان “خربشات على جدران الواقع”.

“من حظّي الوافر أنّني آتية من بيت زجلي عريق”، تضيف بو فخر الدين، “حيث أنّ بيت جدي، أهل والدتي، جميعهم “قوّالون”، وأصواتهم رائعة، ما جعلني أتأثر بجلساتهم، فوجدتُ نفسي أكتب نوعًا بسيطًا من الزجل وهو الموشح، وذلك بتشجيعٍ من أخي، وانطلاقًا من حبّي العميق للفنانة فيروز، لا سيّما قولها موشّح “دار الدوري عالداير …يا ست الدار”، الذي دفعني لأكتب على نسقه. وبعد أن رأيتُ موشّحًا مقلوبًا على لحن “وينك يا جار ….شرّفنا عالصبحية”، بادرتُ أيضًا لكتابة ما يشبهه، وبحكم العادة شرعتُ في كتابة “القرّادي”، وأصبحتُ عضوًا في موقعٍ زجلي، فطبعت كتابي الثاني “انتفاضة روح”، الذي تضمّن تشكيلة من كتاباتي”.

وتستطرد بالقول: “صار عمري فوق الأربعين

وبقلبي طفلة زغيري

كيف هيكي مضيّت السنين

وبغفلة صرت كبيري

تـحتى يرضى قلبي

وحس بأمان

بدي يخلدني حبي

بأرزة لبنان”.

وتختم شاعرة المتن بالقول: “كل إنسان يملك طريقًا خاصًا، غير أنّ اتّباع الإشارات التي يرسلها الله له سترشده إلى غايته، وأنا لا زلتُ أحلّل الإشارات، ولا زلتُ في أول الطريق”.

*المصدر: مجلة “الضحى”

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى