رحيل البابا فرنسيس: الكنيسة تفقد صانع توازناتها في الشرق الأوسط!
“المدارنت”..
يفتقد العالم مع رحيل بابا الفاتيكان فرنسيس لشخصية حملت قضية السلام العالمي في أكثر من اتجاه طيلة العشرية الماضية، وسط عالم تفشت أزماته واضطراباته.
كذلك عُرف خورخي ماريو برغوليو المولود في الأرجنتين لأسرة من أصول أيطالية بتخففه من كل مظاهر الأبهة والترف ورفض الإقامة في القصر الرسولي، مفضّلاالعيش في بيت الضيافة «دوموس سانتا مارتا» داخل الفاتيكان، وهو مكان أكثر تواضعاً. وكان اختياره اسم القديس فرنسيس الأسيزي، قديس الفقراء، إشارة لقناعته الراسخة بوجوب حمل رايتي السلام العالمي والعدالة الاجتماعية سوية، وقد أضاف اليهما راية البيئة واتسم بالعمل على حماية الكوكب، وقد سماه «بيتنا المشترك» من التغيّر المناخي والتدهور البيئي. لقد كان رمزاً استثنائيا، وهو أول رئيس للكنيسة الكاثولية آت من أمريكا اللاتينية.
بالقدر نفسه، سيذكر التاريخ أنه البابا الذي اعترف عام 2015 بدولة فلسطين، في خطوة أثارت ضغينة إسرائيل، وقد مهد لذلك البابا فرنسيس بزيارته الأراضي المقدسة عام 2014، وتوقّف عند الجدار العازل في بيت لحم، ووضع جبهته عليه في مشهد رمزي قوي، وُصف على نطاق واسع بأنه «صلاة ضد الاحتلال».
هو أيضا الشخصية الإنسانية العميقة التي ترفض أي خطوة أُحادية تمسّ وضع القدس، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب نقل السفارة الأمريكية إليها، وقد دعا إلى أن تكون المدينة مفتوحه للأديان الثلاثة، وهو موقف يتعارض مع الموقف الإسرائيلي الرسمي. أما مواقف البابا فرنسيس إبان حرب الابادة المستمرة على قطاع غزة ووصفه منذ بداية المقتلة الغارات الإسرائيلية بالوحشية فقد أغضبت حكومة بنيامين نتنياهو.
هو أيضا بابا الحوار والتقارب بين أتباع الديانات المختلفة، وبالأخص على صعيد فتح صفحة مشرقة في العلاقة مع العرب والمسلمين، اذ كانت زيارته للعراق في آذار/مارس 2021 محطة كبرى، وهدفت لإظهار التضامن مع المسيحيين فيه، الذين تعرضوا للاضطهاد والتهجير بسبب تنظيم داعش، كما كان لقاؤه بالمربع النجفي آية الله علي السيستاني محطة بارزة. لقد طالب فرنسيس بحماية الحقوق الدينية لجميع المواطنين. وعلى هذا الأساس وقع وثيقة الأخوة مع شيخ الأزهر أحمد الطيب عام 2019، رافضا اسباغ الإسلام بالعنف.
في زمن ازدهار التطرف والشعبوية والعنصرية لم يترك البابا الراحل مناسبة إلا وشدد فيها على المقاربة الإنسانية لقضايا اللاجئين، والمهمشين، وضحايا سياسات الكراهية العنيفة. ولأجل ذلك تتجه الأنظار لروما اليوم لمعرفة من تراه يخلف البابا الراحل؟ قريب من خطه أم على يساره أم على يمينه؟ لقد استطاع فرنسيس أن يوازن بروية وحصافة بين التيارات اللاهوتية والفكرية المتنافرة ضمن الكاثوليكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو عمن يكمل هذه المسيرة، هل بهذا الاتجاه، أو على نحو آخر؟ العالم يحتاج لمنارات السلام والعقلانية والروية والتواضع، وهذا ما جسده البابا الراحل. في الوقت نفسه، الكنيسة الكاثوليكية على محك أساسي، لأن البابا العتيد الآن سيقارن مباشرة بطيبة وسرعة بديهة وتواضع البابا فرنسيس، وليست تلك بمقارنـة سهلـة.