“المدارنت”..
من يتابع تطورات الصراع الفلسطيني/ “الإسرائيلي” على مدار أكثر من خمسة وسبعين عاماً، يلاحظ بوضوح أن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ظلت على الدوام هدفاً للاعتداءات الإسرائيلية، لا سيما في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حيث كثفت قوات الاحتلال من اعتداءاتها على المواطنين الفلسطينيين، وبشكل خاص على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، بالتوازي مع المجازر التي ترتكبها في قطاع غزة.
لذلك نرى أنه لا يكاد يمر يوم من الأيام من دون قيام الاحتلال الإسرائيلي بعمليات توغل في مخيمات الضفة الغربية المحتلة وتخريب بنيتها التحتية، تماماً كما هو الحال بالنسبة للمخيمات الفلسطينية في قطاع غزة، وقبل ذلك بعقود كانت المخيمات الفلسطينية في لبنان هدفاً للاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة، ناهيك عن عمليات التخريب أو محاولات بذر الفتنة في مخيمات سوريا والأردن وغيرها من مناطق الشتات.
لكن السؤال الأهم هو: لماذا تستهدف “إسرائيل” المخيمات الفلسطينية؟ وما هي المخاطر التي تراها “إسرائيل” في المخيم الفلسطيني؟
بالتأكيد أن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج للعودة إلى بدايات المشروع الإسرائيلي الاستيطاني الإجلائي في فلسطين خلال القرن الماضي، في خطواته العملية على الأرض، حيث قذف هذا المشروع الاستعماري الغربي 850 ألف مواطن فلسطيني خارج أرضهم، ليقيموا في خيام بائسة في دول الجوار العربية المحيطة بفلسطين، لتشكل تلك الخيام الشاهد على أكبر جريمة دولية تقترف بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد سكان فلسطين في العام 1948 كان يقارب المليون وأربعمئة ألف نسمة، فإن هذا يعني أن 61% من أبناء الشعب الفلسطيني تم طردهم من وطنهم عنوة وبقوة السلاح والمجازر التي ارتكبتها العصابات اليهودية مثل «شتيرن» و«الهاغانا» و«الأرغون» و«ليحي» وغيرها من العصابات التي ارتكبت العشرات وربما المئات من المجازر بحق أبناء المدن والقرى الفلسطينية خلال ما يزيد على قرن من الزمان.
لكن، رغم حجم المعاناة التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات الشتات، فإنهم استطاعوا أن يحافظوا على هويتهم الوطنية، وتمكنوا خلال مدة ليست بالطويلة من بعد النكبة خلال العام 1948، أن ينخرطوا بسوق العمل في الدول العربية المضيفة وغيرها، وأن يدلفوا أبواب العلم الذي رأوا فيه سلاحهم الأهم للتغلب على صعوبات الحياة التي خلفتها النكبة ومحنة التشرد.
مع مرور الوقت، شكلت المخيمات الفلسطينية، بحكم زيادة نسبة التعليم فيها، بيئة خصبة للحراك الوطني الفلسطيني، مثلما شكلت الخزان البشري الرافد للمقاومة الفلسطينية للاحتلال، لا سيما وأن هذه المخيمات احتوت على مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية الفلسطينية، ومنها انبثقت معظم التيارات والحركات المعبرة عن الشعب الفلسطيني بمختلف انتماءاته واتجاهاته الفكرية والسياسية.
وليس من باب المبالغة في القول إن كل مخيم فلسطيني كان أشبه ب «فلسطين مصغرة» على مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية، زد على ذلك أن الهوية الفلسطينية بعد النكبة باتت مرتبطة إلى حد ما بصورة اللاجئين والمخيمات الفلسطينية، التي تمثل الشاهد الحي والأوضح في المعنى المادي والرمزي للقضية الفلسطينية في عنوانها الأبرز، ويتمثل في التهجير القسري.
لذلك، لا غرابة في محاولات الاحتلال “الإسرائيلي” التخلص من هذه المخيمات ولا سيما في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يفسر أيضاً سعي الاحتلال الإسرائيلي الحثيث لتصفية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تمثل هي الأخرى أيضاً أحد العناوين الصارخة لفهم مدى الظلم الذي حاق بالشعب الفلسطيني، وتذكر بقضية أساسية وهي حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم بموجب القرار الدولي رقم 194 الصادر عام 1948، ورأينا كيف تعاملت “إسرائيل” مع الوكالة خلال الحرب التي يعيشها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن وكالة (الأونروا) تدير 59 مخيماً فلسطينياً في مناطق عملياتها الخمس، في كل من الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن مجتمع المخيمات الفلسطينية يعتبر مجتمعاً فتياً، حيث يشكل الأطفال نحو 50% من المقيمين في هذه المخيمات.
والحقيقة أن ما يجري الآن في الضفة الغربية، وتحديداً في المخيمات الفلسطينية هناك، ليس سوى استكمال لمخطط الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري التي تسعى قوات الاحتلال إلى تنفيذها على الأرض، في ظل المجازر اليومية التي تعيد إلى الأذهان تلك المجازر المروعة التي سبقت ورافقت قيام المشروع الاستيطاني الإسرائيلي” في فلسطين، على أنقاض الوطن الفلسطيني الذي تعرض خلال السنوات الطويلة إلى مؤامرات غربية كبيرة، لكنه بقي حاضراً في قلب وعقل كل فلسطيني، سواء الذين يعيشون في أراضي الداخل أو الذين أجبرتهم الظروف على النزوح إلى خارجه.
مقالات