مقالات

روبيو وتطهير البيت: مَن يجرؤ على انتقاد الاحتلال؟!

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو

“المدارنت”
يكاد «مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل» أن يكون الوحيد الذي يتجاسر على انتقاد دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضمن المكاتب الكثيرة التي تتبع وزارة الخارجية الأمريكية، لا لأي اعتبار يخص الشجاعة أو النزاهة أو العدل أو تطبيق القانون، بل لاضطرار المكتب إلى العمل في ضوء المهامّ الموكلة إليه في التسمية ذاتها.

لكن وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو يأبى الإبقاء على المكتب في سياق وظائفه المحددة، ويرى أنه «تحوّل إلى منصّة لنشطاء الجناح اليساري، حيث تُشنّ الحملات الثأرية ضدّ الزعماء المناهضين لـ»الووك» في بولندا وهنغاريا والبرازيل، وتحويل كراهية إسرائيل إلى سياسات ملموسة مثل حظر الأسلحة»، الأمر الذي يستوجب شتى الإجراءات الكفيلة بتحجيم عمل المكتب. خيارات الوزير يمكن أن تبدأ بإعادة تسمية المكتب على نحو يجرّده من النطاقات الثلاثة الواردة في الاسم، وتخفيض مسؤولياته وصلاحياته، ووضعه في مرتبة وظيفية تابعة لقسم آخر في الوزارة.
تطهير بيت الخارجية الأمريكية من هؤلاء يشمل، حصر مهامّ المكتب في قضايا الحريات الدينية مثلاً، أو في المساعدات الخارجية والشؤون الإنسانية التي شرعت إدارة دونالد ترامب لتوها في تخفيض ميزانياتها أو إلغاء بعضها نهائياً، أو دمجه في مكاتب أخرى أكثر التزاماً بعلاقات الولايات المتحدة النوعية الاستثنائية مع دولة الاحتلال.
وكلّ هذا على الرغم من أن تاريخ المكتب لا يتضمن إلا مستويات ضئيلة تماماً في انتقاد سياسات الاحتلال الإسرائيلي بصدد انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وهذه لا تتجاوز رفع العتب والإشارة إلى ما هو فاقع وصارخ ولا يمكن إغفاله أو التعمية عليه أو نكرانه. وتلك الحالات ذاتها لا تأتي إلا في إطار واحد محدد هو التقرير السنوي لأوضاع حقوق الإنسان في العالم، والذي يمكن أن يشمل أيضاً ديمقراطيات أوروبية حليفة مثل بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا.
وفي المقارنة البسيطة مع تقارير منظمات ذات مصداقية عالية مثل «العفو الدولية»، كان المكتب مجبراً على ذكر الحد الأدنى أيضاً من تفاصيل مريعة دأبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ارتكابها، كما في آخر تقرير أصدره المكتب خلال رئاسة جو بايدن. هنا اكتُفي بالإشارة إلى «أعمال القتل العشوائي غير القانوني» أو «الاختفاء القسري» أو «التعذيب والمعاملة غير الإنسانية أو العقاب القاسي»، وكان واضحاً أن التقرير تقصد تهذيب الوحشية الإسرائيلية، واكتفى بالتلميح دون التصريح.
وأما حكاية حظر الأسلحة فإن المكتب كان هنا أيضاً مجبراً على اللجوء إلى مرجعية «تشريع ليهي» الذي يعود إلى أواخر تسعينيات القرن المنصرم، والذي يمنع وزارتَيْ الخارجية والدفاع من تزويد المساعدات إلى كيانات أمنية تحوم حولها شبهات ملموسة بارتكاب انتهاكات «فظيعة» لحقوق الإنسان. ومع ذلك فإنّ سجلات بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن تشهد بعرقلة أيّ مسعى في هذا السياق، ما خلا صفقة واحدة يتيمة تضمنت قنابل ذات زنة هائلة تبلغ 2000 طن.
إخراس المكتب رسالة صريحة إذن، لمَنْ يجرؤ على مجرد التفكير في انتقاد الاحتلال.

رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى