«ريفييرا» من دون أهلها.. تاجر العقارات أم الحروب؟!

“المدارنت”..
إضافة إلى ردود الفعل الدولية والعربية التي راوحت بين الإدانة والغضب والاستنكار والاشمئزاز من الموقف المستجد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد إخلائها من سكانها، أثارت تصريحات ترامب ردود أفعال غاضبة حتى في داخل معسكره الجمهوري ضمن الكونغرس حتى، فصرّح السناتور الجمهوري راند بول، «أعتقدت أننا صوّتنا لأمريكا أولا. لا مصلحة لنا في التفكير في احتلال آخر قد يدمر ثرواتنا ويسفك دماء جنودنا» أما السناتورة ليزا موركوفسكي فقالت إنها لا تريد حتى تخيل هذه المسألة لأنها تعتقد أن الأمر «مخيف جدا».
انتبه أحد المشرعين الديمقراطيين في الكونغرس، كريس فان هولن، إلى عنصر مهم في طرح ترامب الاستيلاء على قطاع غزة فقال «هذا تطهير عرقي باسم آخر» في إحالة إلى إرث أبدعت فيه النازية الألمانية بتأليف قاموس عريض من الاصطلاحات التي ابتكرت طرقا لتزيين معاني القتل والاستئصال والإبادة بكلمات معقّمة، لكن ترامب، فوق ذلك، أعطاها قناعا جماليا ينتمي إلى عالم أصحاب العقارات والفنادق وملاعب الغولف من أمثاله.
انتبهت بعض التحليلات أيضا، كما فعلت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن تصريحات ترامب هي جزء من أسلوب للرئيس الأمريكي في إحراز «الصفقات» عبر إطلاق تهديدات خطيرة تعمل كمناورة وتكتيك تفاوضي لإجبار الأطراف الأخرى على قبول تنازلات، ويبدو أن الأمر هنا موجه إلى حركة «حماس» لدفعها للتنازل الكامل عن السلطة، وإلى المملكة العربية السعودية، وباقي الدول العربية، لدفعها الى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بشكل تتنازل فيه عن مطالبها بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية وتقبل بصفقة تحافظ على حق الفلسطينيين في البقاء في غزة، أو مقابل تجنب احتمالات أسوأ، على شاكلة احتلال أمريكي لغزة، وإنهاء حلّ الدولتين، وإطلاق يد إسرائيل وقطعان المستوطنين في السيطرة على الضفة الغربية، وتهجير سكانها أيضا.
ينطبق هذا الأسلوب في «التفاوض» أيضا، على تصريحات ترامب الخطيرة المهددة بالاستيلاء على غرينلاند، التابعة للدنمارك، واستعادة قناة بنما، ومطالبة الكنديين بالانضمام للولايات المتحدة، وتسمية خليج المكسيك بالخليج الأمريكي، وذلك ضمن سياق حرب «التعريفات التجارية» التي يريد فيها ترامب فرض شروطه الاقتصادية على أطراف يعتبرها أضعف من أمريكا ويمكن إخضاعها بالتهديدات القصوى.
يستلزم احتلال أمريكي لغزة وتهجير قرابة مليونين وأربعمئة ألف فلسطيني من سكانها، بداية، خرق القوانين الأممية والدولية، وحشد أسطول حربيّ، ونشر عشرات آلاف الجنود، ومتابعة ما قام به الجيش الإسرائيلي من إبادة، ومعارك، وانتهاكات، مما يعيد أمريكا، بشكل أو آخر، إلى حقبة احتلال العراق، ويتنافى ذلك كله، بالطبع، مع أحاديث ترامب عن قيام الدول العربية بإعادة الإعمار، وكل ذلك يشير إلى خطة جنونية غير قابلة للتطبيق.
في إشارات ملتبسة تدل على إدراك ترامب، وحتى نتنياهو، إلى استحالة تطبيق هذه التهديدات، أجرى ترامب تعديلات جديدة حيث قال على منصته الاجتماعية «سوشال تروث» أمس الخميس، إن إسرائيل ستسلم قطاع غزة للولايات المتحدة عند انتهاء القتال، في تراجع عن أقواله السابقة حول «استيلاء أمريكا على غزة»، مشيرا إلى أنه «لن تكون هناك حاجة لجنود من الولايات المتحدة» في عودة واضحة عن المسار الذي ينقل عاقد الصفقات، إلى خائض الحروب. أعاد ترامب بذلك صورة مجرم الحرب المطلوب من محكمة الجنايات الدولية إلى شريكه نتنياهو، وفرّ إلى الصورة التي يفضلها لنفسه: «المطوّر العقاري» وملك الاستثمارات!