مقالات

زيارة ترامب لدول الخليج!

“المدارنت”
وصل (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب إلى (العاصمة السعودية) الرياض يوم (أمس) الثلاثاء، بادئاً زيارة لثلاث من الدول الخليجية هي المملكة السعودية وقطر والإمارات المتحدة. وهي المرة الثانية التي يستهل فيها ترامب زياراته للخارج بصفته رئيساً للولايات المتحدة بزيارة للمملكة السعودية، لو استثنينا حضوره تأبين بابا الكنيسة الكاثوليكية الذي كان حدثاً طارئاً، اضطرارياً وليس اختيارياً.
أما المغزى من إعطاء الرئيس الأمريكي الأولوية لدول الخليج العربية، فهو ذاته في الحالتين: لا يمت للصداقة بصلة، بل يقتصر على رؤية هذه الدول كخزانات من النفط والغاز وما يرافق ذلك من ثروات تُعدّ بمليارات الدوارات. والحال أن ترامب يتطلع إلى إقناع الدول المعنية بتوظيف ما يزيد عن ألف مليار (تريليون) من دولاراتها خلال سنوات ولايته الرئاسية الراهنة. وهذا الموقف النفعي، الذي لا يخفي ترامب حقيقته بل يجاهر به، لا يقتصر على منفعة الولايات المتحدة، بل يشمل منفعته الشخصية ومنفعة عائلته بصورة وقِحة، لم يشهد تاريخ الولايات المتحدة مثيلها قبله.

ويتعامل ترامب مع دول المنطقة بتعال، بصورة كان أفصح نموذج عنها استقباله ولي العهد السعودي في البيت الأبيض خلال ولايته السابقة، حينما أشهر كرتونة كان طلب من معاونيه إعدادها تبيّن المبالغ التي سوف تخصصها المملكة لشراء أسلحة أمريكية. أما الفخ الجلي المنصوب للدول الخليجية، فيتمثل الوقوع فيه بتنافسها على تقديم وعود الاستثمار والشراء لترامب بلا مقابل، بدل استخدام قدراتها الاقتصادية رافعة لتفرض عليه ذلك الحد الأدنى الذي كان ينبغي أن تفرضه على سلفه جو بايدن، ألا وهو وقف حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعب غزة وإجبار الحكومة الصهيونية على القبول بتسوية تتضمن مشاركة فلسطينية وفق رؤية دول الجامعة العربية لهذا الأمر.
هذا ويراهن العديد من المراقبين على أن تشترط المملكة السعودية، وهي صاحبة الموقف التفاوضي الأقوى إزاء الولايات المتحدة، وقفا للإبادة في غزة وقيام «دولة فلسطينية» في إطار تسوية للنزاع لقاء التحاقها بقافلة التطبيع التي هندست الإمارات المتحدة أحدث محطاتها في ما سمي باتفاقيات أبراهام. بيد أن الملف الإقليمي أقل أهمية في منظور ترامب مما هو الملف الاقتصادي، وقد يكتفي الرئيس الأمريكي بحصاد الوعود بمليارات الدولارات وتعبيد الطريق أمام إبرام أبنائه للصفقات إن شعر أن الأجواء لم تصبح بعد ملائمة للمضي قدماً في عملية التطبيع.
أما ما قد يكون في نية الرئيس الأمريكي، بعد أن تحدّث مراراً عن دعمه لمشروع تهجير أهل غزة بما أفرح أقصى اليمين الصهيوني، إنما هو استخدام التهجير كورقة تفاوضية لابتزاز الدول الخليجية كي تقبل بمشروع التسوية الذي صاغه صهره جاريد كوشنير خلال ولايته الأولى والذي أعلن عنه في آخر سنوات ولايته الأولى، في عام 2020، وقد وصفه بأنه «صفقة القرن». وللتذكير فكان ذلك المشروع من الإجحاف بحق الفلسطينيين إلى حدّ أن سلطة رام الله ذاتها انتقدته بشدة ورفضته رفضاً قاطعاً، ولم تتحمّس له أي دولة عربية، اللّهمّ سوى الإمارات المتحدة، أقرب الدول الخليجية إلى دونالد ترامب.
أما اليوم، فبالمقارنة مع الإبادة الراهنة و«التطهير العرقي» الجاري على قدم وساق في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، فإن المشروع المذكور قد يبدو كأهوَن الشرور في نظر الأنظمة العربية. وللتذكير، كان المشروع ينصّ على قيام «دولة فلسطين» على ثلاث جزر سكانية فلسطينية في الضفة الغربية، تحيط بها مناطق يجري ضمّها رسمياً إلى الدولة الصهيونية، بما فيها وادي الأردن. وكان المشروع ينصّ، فضلاً عن ذلك، على منح إسرائيل «دولة فلسطين» مساحةً في صحراء النقب على الحدود المصرية، تعويضاً عمّا تم انتزاعه منها في الضفة.
وبالطبع كانت غزة قطعة واحدة في المشروع الأصلي، عندما كان القطاع لا يزال خالياً من الاحتلال الإسرائيلي المباشر. أما اليوم وقد أعادت إسرائيل احتلاله، فقد ينطبق عليه ما ينطبق على الضفة بحيث تُحصر «دولة فلسطين» في غزة بجزيرتين سكانيتين فلسطينيتين، تحيط بهما مناطق تضمّها الدولة الصهيونية لأراضيها وتشمل الشريط الحدودي بين القطاع وكل من إسرائيل ومصر، فضلاً عن محاور تقسّم أراضي القطاع على غرار ما هو قائم في الضفة الغربية. هذا وكان كوشنير قبل سنة قد نصح إسرائيل بالاستيلاء على شمال القطاع وتهجير قسم من سكانه إلى جائزة الترضية التي نصّ عليها مشروعه في صحراء النقب.
ويبقى السؤال عن الجهة التي سوف يُناط بها حكم «دولة فلسطين» في مثل السيناريو المذكور: سلطة رام الله أم «سلطة» جديدة تشكّلها الإمارات المتحدة، ومحمد دحلان من خلالها، بالاتفاق مع بنيامين نتنياهو، وتستند إلى قوات عربية توفّرها دول التطبيع في الإمارات ومصر والمغرب وفق الخطة التي رسمتها الإمارات منذ بداية حرب الإبادة الراهنة؟ في جميع الأحوال، يبقى الابتزاز سيّد الموقف، إذ إن البديل عن مثل ذلك المشروع التصفوي، إنما هو استكمال مثل التطهير العرقي الذي شهدته نكبة 1948 في سائر الأراضي الفلسطينية بين النهر والبحر وضمّها كاملة إلى الدولة الصهيونية كما يدعو إليه حلفاء نتنياهو في أقصى اليمين، بل قسم هام من أعضاء حزبه، حزب الليكود عينه. والخلاصة أن حالة القضية الفلسطينية قد بلغت اليوم درَكها الأسفل وهي على أسوأ حال عرفتها منذ قيام الدولة الصهيونية التي تحتفل يوم الخميس بالذكرى السابعة والسبعين للإعلان عن ولادتها.

جلبير الأشقر/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى