تربية وثقافة

زيـــارة.. وعـــودة مـحـتـــومـــة..!

 

كريستيان بلّان/ لبنان

خاص “المدارنت”..

مون (قمر)، هرّة، زارتنا لتوحيد أواصل المودة والصداقة. أدخلتها وفتحت لها باب بيتها، ونبهت الجميع إلى ما قيل لي عنها، أنها مشاغبة، وعند فتح باب المنزل، تهب خارجا من دون السماح لك بالتقاطها.

في ليلتها الأولى، لم تتحرك مون خارج بيتها، إلا لما أحسّت بالجوع. طبعا، وجدت الطعام والماء، وكل ما تحتاجه، فأعطت لنفسها الأمان تحت الكنبة. إلى أن شعرت بالسكينة، فخرجت من مخبئها، وبدأت رحلة استكشاف البيت من زاوية إلى أخرى. تركتها على سجيتها علها تشعر بالأمان! حاولت الهررة، جسي، إيدن وفي (V) التقرب منها للعب، وعبثا حاولت، فركنوا يراقبونها.

اتفقنا على عدم إزعاجها، وإنما الترحيب بها بمناداتها باسمها، وتوفير المساحة الآمنة لها. إلى اليوم الثاني، حيث بدأت بالتحرك في أرجاء البيت على راحتها، وإنما برفض تام أن نقترب منها أو حتى أن نكلمها، وكلما فعلنا، أصدرت صوتا هجوميا، ونفضت رأسها بحركة استعداد للدفاع والإنقضاض علينا. تهديدها واضح وصريح، إن اقتربنا سوف نلقى ما لا يعجبنا.

وعلى عكس الطبيعة المشاغبة التي نسبت لها، أظهرت الهدوء والرصانة المطلوبة في دخول منطقة جديدة لا تعرفها. تمسكت بآلية الدفاع خاصتها لتبعدنا عنها. فهي بيننا، ولكن بشرط ألا نلمسها. فألزمتنا بذلك. حتى جاء المساء، وشعرت بحركة في الصالة، فأتت إلينا وبدأت اللعب والقفز، ودائما ضمن شروطها. حتى القطط الثلاث احترموا رغبتها باللعب، من دون الإقتراب والتقرّب، فلم يهاجموها، بل شاركوها طعامهم وماءهم…

حان موعد النوم، وجدت مون وقد نامت الى جانبي. صحت معي باكرا، تماما كالآخرين، تشاركني يومي. تدور حولي، تتجول، تقوم بنشاطاتها العادية إلى أن تتعب، ويا للعجب، فقد نامت الى جانب الحاسوب، وأنا أعمل، سامحة لنفسها بالراحة وترك السلاح جانبا.

ويا عجبي، عادت مون إلى بيتها، وأنا لا أنفك أفكر بها. كم يشبه تصرفها تصرف بعض البشر، تدعوهم وتستقبلهم بأذرع مفتوحة، وتلزم أهل الدار باحترام رغباتهم، فيلتزموا معك مؤمنين بمبادئك ومفهومك للتعامل مع الآخر بالحسنى، وأنه على الضيف الشعور بالأمان في دارك. يتفهمون رد الفعل الأول استجابة للخوف، وأن بناء الدفاعات أمر طبيعي.

ولكن كيف أشرح لهم، أنه على اختلاف طبيعة القطط الدفاعية، هناك من يهددونك في أمنك وفكرك ونمط عيشك في عقر دارك، وعلى عكس مون، التي أمنت على ذاتها، وفهمت أننا ولو كنا أصحاب الدار، لن نتعرض لها بما يؤذيها؛ بعضهم ولو فهموا يتغاضون أو يعتبرونه ضعفا منك، فيرتفع تقديرهم للأنا، وينقضّون عليك فعلا، بمحاولة لتقويض أساساتك.

والأسوأ، أنك إن تنازلت، وأخليت لهم الساحة بطيبة خاطر منك، يستميتون من أجل إلغائك؛ وما بعد أسوأ من السوء بذاته، أنهم يصدقون أنهم انتصروا، ويتمسكون بذلك الانجاز المزيف، ويتفاخرون به، ولا يعون أنه في نهاية المطاف، كل يعود إلى بيته.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى