مقالات

سوريا من الإستبداد الى الإستعمار والإستعباد!

الكاتب العربي الراحل محمد خليفة/ سوريا

“المدارنت”
بعد عدة سنوات من التمرد استعاد نظام الاسد سلطته على المناطق التي سبق أن خرجت عليه وتحررت في حلب وريف حماة وحمص وفي مناطق عديدة من ريف دمشق, وأخيرا من درعا. وربما يستعيد غدا أجزاء ومناطق أخرى مستفيدا من خدمات حليفيه الايراني والروسي العسكرية.
هذه حقيقة لا خلاف عليها, ولكنها تظل ناقصة ولا تصف سوى الجزء الظاهر من الواقع , وينبغي استكمالها لنرى الحقيقة كاملة بوجهيها, الظاهر والباطن. وللأسف لا يرى للعالم الخارجي سوى الوجه الاصطناعي للنظام السوري ويعجز عن رؤية وفهم طبيعته وحشوته وكنهه وأساليبه, بينما ينفرد المواطن السوري بقدرته على ادراك حقيقة هذا النظام الملعون كاملة بعد خمسين سنة مريرة من التسلط والاستبداد.
النظام العائد الى المناطق التي تمردت ليس هو نفس النظام الذي كان قائما قبل الثورة. إنه مختلف في العمق, وأسوأ من سابقه بدرجة كبيرة.
النظام القديم سقط بالفعل منذ بداية الانتفاضة وهتاف الجماهير (الشعب يريد اسقاط النظام).. أما العائد فهو نظام آخر, لا يشبه الأول إلا بالشكل وبكون بشار الاسد وجهه البارز.
كان النظام القديم استبداديا شموليا, توتاليتاريا. لا يدرك مدى عنفه ووحشيته سوى فئتين من رعاياه وأقنانه:
 تتألف الأولى من الذين خدموا في الجيش أو انتسبوا له, لمدة طويلة أو قصيرة.
والثانية تتألف من الذين عاشوا تجربة الاعتقال في زنازين الموت وأقبية الاستخبارات بتهمة أو بلا تهمة.
 هاتان الفئتان فقط كان بإمكانهما رؤية حشوة النظام الطائفية الدموية, ومعرفة الوجه الحقيقي للسلطة التي تحكمه والتي نجحت في إنشاء نظام قمع دائم وشامل للسوريين بعامة, وللمكون السني بخاصة.
ففي داخل الجيش, وفي أقبية الاستخبارت حصرا يخلع نظام الاسد اقنعته وشعاراته, ويقف امام ضحيته سافرا الوجه. الضابط العلوي وهو يسحق الآخر السني يمارس عليه سلطة غير مقننة لا في الدستور ولا في القانون الجزائي, ولكنها تعكس ثقافة أو عقيدة باطنية عدائية كارهة لا يعرف الضحية مصدرها, ولا يدري  لها سببا. يكتشف المواطن السوري أن الضابط العلوي يتعامل معه بعدائية مطلقة كما لو أنه من شعب آخر, أو جنس آخر.
 وعندما كان الشباب الناشىء يتحدث عن  وحدة السوريين واحلامهم في المستقبل وعن الأمل بتحقيق الوحدة العربية كان مواطنوهم الاكبر سنا وخاصة الذين خدموا في الجيش يردون: هل خدمتم العسكرية؟.. لا.. فيردون إذا أنتم أغرار لا تعرفون شيئا, عندما تخدمون الجيش ستدركون حقائق الامور في هذا البلد.. وستغيرون حتما نظرتكم ومفاهيمكم!.
كان هذا الحديث يتكرر باستمرار في الماضي, ولذلك كانت (الثورة) ضربا من المستحيل في نظر من يدركون طبيعة النظام القائم. وعندما قامت شعر هؤلاء أن زلزالا يهز نواميس الكون, وأن الفرصة لا يمكن تبديدها لأنها خارقة للواقع.  وبالنسبة لهؤلاء ظل احتمال فشل الثورة واستعادة النظام سيطرته احتمالا ممكنا, وقد كتب الروائي مصطفى خليفة في عام 2012 مقالا عنوانه: ماذا لو انتصر الاسد؟ في ذلك الوقت لم يكن احد من جمهور الثورة يمكنه تصور هذا الاحتمال ولو من باب الافتراض الذهني, ولكن الروائي والمناضل المجرب مصطفى خليفة أمكنه ذلك بفضل تجربة اعتقاله في تدمر لمدة اربع عشر سنة, كان الموت خلالها حلما رومانسيا عذبا لكل من عاش تلك التجربة الرهيبة .
النظام العائد سيكون بلا اقنعة , بلا رتوش البعث, ولا مساحيق العروبة, ولا اقنعة المقاومة والممانعة, سيكون نظام استعمار واستعباد سافرا يمارس ”حقه” في تعذيب ضحاياه بعد أن تغلب عليهم في مصارعة دموية حرة تستعيد المشاهد الاصلية لهذا النوع من المصارعة التي كان الاباطرة والجمهور في روما القديمة يستمتعون بها, وعلى المهزوم أن يتقبل النتيجة الوحيدة لهزيمته بيد خصمه وسط تصفيق المتفرجين على الحفل الدموي بينما يرفع الامبراطور كأس النبيذ الاحمر للمتفوق!
النظام العائد لن يكون مستبدا, ولا سوريا, بل نظام علوي استعماري عنصري كنظام جنوب افريقيا العنصري في تعامله مع الاسود, أو النظام الاسرائيلي في علاقته بالفلسطيني الذي بقي في الخط الاخضر عام 1948 ولم ينزح مع  الغالبية الى دول الشتات.
وسيجد النظام العلوي الاسدي في الباسيج الفارسي  وفي المرتزقة الذين جندهم للدفاع عنه سندا ودعما ومعينا بشريا يغنيه عن الاعتماد على الرعايا السابقين, ويعوضه عن السكان الذين هجروا بطريقة ممنهجة ومخططة خارج وطنهم ووطن اسلافهم, باستيراد شعب بديل من الشيعة أو العلويين أو أي لون مشابه من هذا القبيل ليكون منهم طبقة انكشارية تمسك بأجهزة الجيش والامن والشرطة, وتسيطر على مفاصل الدولة, ومواردها الاقتصادية. وسوف يجد من بقي من السنة في سورية المفيدة نفسه تحت رحمة نظام حكم ونظام اجتماعي يراه (نعمة من الله هيأها له لتخدمه)! كما يقول كثيرون من العلويين صراحة!
اقرأوا واسمعوا شهادات من اعتقلوا في زنازين الاستخبارات ثم اتيح لهم بالصدفة النجاة من أشداق الوحوش, أو شهادات العسكريين الذين انشقوا عن النظام متأخرين.. إلخ،  وتأملوا ما سمعوه من جلاديهم وقادتهم العلويين, وفكروا أي ثقافة أو عقيدة يحملها هؤلاء المستعمرون, وقارنوهم بصهاينة فلسطين ومستوطني جنوب افريقيا البيض في علاقتهم برعاياهم.. الآخرين.. وأعيدوا التفكير باقوال الاسد عن: من هو السوري.. ومن هو شعبه المختار لكي تتلمسوا مستقبل هذا البلد في ظل نظام الاسد الفارسي/ العلوي.

المصدر: مجلة “الشراع” اللبنانية الصادرة في 13-1-2017 
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى