سوريا والتوجهات التركية الجديدة..!
“المدارنت”..
شهد الشهران الماضيان تحركات تركية مكثفة، على غير العادة، للتقارب مع سوريا، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول جدية هذه التحركات، هل هي مراوغة ليس إلا استجابة لضغوط داخلية تركية خاصة من جانب المعارضة، يتزعمها حزب الشعب الجمهوري الذي اكتسح مؤخراً الانتخابات المحلية (البلدية).
وكان الرفض القوي لوجود اللاجئين السوريين في تركيا أحد أهم أسلحة هذا الحزب في كسب هذه الانتخابات، بعد أن تحولت أزمة العلاقات التركية مع سوريا ووجود ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا إلى أبرز التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه الرئيس رجب طيب أردوغان و”حزب العدالة والتنمية” الحاكم، أم هي تطور جاد يرتكز على رغبة حقيقية ل «المصارحة» لتحقيق المصالحة على نحو ما سبق، أن تحدث الرئيس السوري بشار الأسد في تعليقاته على دعوات الشركاء والأصدقاء، بخاصة روسيا وإيران والعراق إلى عقد قمة سورية/ تركية بين الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان، حيث كان يبرر رفضه لقبول مثل هذه القمة، بأن تركيا «تتعمد المراوغة وتتهرب من المصارحة».
هذه المرة اكتسب التوجه التركي للتقارب مع سوريا جدية لافتة، بخاصة ما ورد بخصوص هذا التوجه على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان عقب اختتام لقائه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في “يوليو” الماضي على هامش القمة الـ75 لحلف شمال الأطلسي التي عقدت في واشنطن والتي أعلنت فيها الولايات المتحدة، على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، أن موقف الولايات المتحدة واضح وأنه «لا يقبل تطبيع العلاقات مع حكومة (الرئيس) الأسد من دون اتخاذ خطوات جادة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية».
أردوغان تحدى الرفض الأمريكي، وقال في مؤتمر صحفي عقب انتهاء قمة «الناتو» تلك: «نريد إطلاق عملية جديدة، وتجاوز السلبيات في العلاقات مع سوريا»، كما أكد أن تركيا «تنتظر اتخاذ الأسد خطوة لتحسين العلاقات»، مشيراً إلى أن «دعوتنا للأسد (لزيارة تركيا) قد تحدث في أي وقت (…) لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نهج لعقد اجتماع في تركيا، ولرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وجهة نظره الخاصة في هذه القضية «»نحن نتحدث عن الوساطة في كل مكان، لكن لماذا لا نتحدث مع من هم على حدودنا، مع جيراننا؟».
أعلن أردوغان أمام الصحفيين المرافقين له في رحلة عودته من واشنطن أن «وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، يعكف حالياً على وضع خريطة الطريق من خلال محادثاته مع نظرائه، وبناء على ذلك سيجري اتخاذ الخطوة اللازمة»، مشيراً إلى أنه «لا ينبغي لأحد أن ينزعج من بناء مستقبل جديد وموحد لسوريا. نعتقد أن السلام العادل ممكن في سوريا، ونعرب في كل فرصة عن أن سلامة الأراضي السورية في مصلحتنا أيضاً».
بعد أقل من أسبوعين وتزامناً مع لقاء الرئيس الأسد مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو والإجابة المتحفظة للمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن: هل ناقشت قمة الرئيسين ترتيبات انعقاد لقاء قمة بين الرئيسين الأسد وأردوغان، واكتفاءه بالقول أن الزعيمين «تبادلا على نطاق واسع وجهات النظر بشأن جميع الموضوعات المتعلقة بالوضع في المنطقة المحيطة بسوريا».
نفى مصدر ديبلوماسي تركي تقريراً إعلامياً ذكر أن اجتماعاً بين أردوغان والأسد سيعقد في موسكو في أغسطس/آب الماضي، أما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، فقد صرح في مقابلة تلفزيونية في 24 أغسطس، أنه يعمل على تنظيم لقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد، «لكن من السابق لأوانه الحديث عن أي شئ ملموس».
تصريح وزير الخارجية التركي كشف عن أن الأمور لا تسير بالشكل الذي كانت تنتظره أنقرة، وأن دمشق لها رؤيتها التي ربما تكون قد وصلت عبر الأصدقاء المشتركين، وربما تكون هي سبب تحفظ ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين عن الحديث عن تلك القمة السورية التركية المنتظرة وفقاً لما دار بخصوصها بين الرئيسين السوري والروسي.
وجاءت مناسبة الانتخابات السورية، فرصة ليكشف فيها الرئيس بشار الأسد عن ردوده على دعوة الرئيس التركي لقمة سورية تركية، فرداً على سؤال بهذا الخصوص عند إدلائه بصوته في تلك الانتخابات (15 يوليو)، قال الرئيس الأسد إن «المشكلة لا تكمن في اللقاء، وإنما تكمن في مضمون اللقاء».
وشرح وجهة نظره بالقول: «طرح اللقاء قد يكون مهماً باعتباره عبارة عن وسيلة لتحقيق هدف.. ما هو الهدف؟ لم نسمع أي مسؤول تركي يتحدث عن هذه النقطة بشكل صريح»، ولمزيد من الصراحة والوضوح تساءل: «هل يمكن أن يكون الاحتلال جزءاً من العلاقات الطبيعية بين الدول؟ هذا مستحيل».
في حديثه أمام الجلسة الافتتاحية للدورة الجديدة لمجلس الشعب السوري (25/8/2024) أبدى الرئيس الأسد قدراً من المرونة، من دون تجاوز القواعد المرجعية، بخاصة ما يتعلق بـ«السيادة»، حيث لم يحدد «شروطاً» لعودة العلاقات، بل فضل أن يسميها «متطلبات»، وتتعلق تحديداً بالرغبة السورية بالانسحاب التركي من الأراضي السورية، وقال إن «العودة للعلاقات الطبيعية تتطلب أولاً إزالة أسباب تدمير هذه العلاقة»، مؤكداً أن «معيارنا هو السيادة»، موضحاً المعنى بقوله: «نحن لم نحتل أراضي بلد جار لننسحب، ولم ندعم الإرهاب كي نتوقف عن الدعم، والحل هو المصارحة وتحديد موقع الخلل لا المكابرة».
هذه هي الأسس التي تراها دمشق يجب أن تكون حاكمة لأي «حوار مصارحة» مع تركيا، وفيها يكمن التقييم السوري والإجابة عن توجه التقارب التركي الجديد مع دمشق.