سيناريوهات «اليوم التالي» لغزة!
د. ناجي صادق شراب/ فلسطين“المدارنت”..
منذ اليوم الأول للحرب على غزة، والأحاديث تتزايد حول طبيعة «اليوم التالي» بعد الحرب، وهنا السؤال، لماذا غزّة، وهي الجزء الصغير من فلسطين؟ الحديث عن اليوم التالي ليس المقصود به غزة فقط، ولكن المقصود به مستقبل القضية الفلسطينية، ومحاولة غلق ملفها، وهذا هو الهدف الرئيسي للحرب على غزة.
طرفا الحرب، “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) بما تملكه من قوة ومحاولة فرض أمر واقع على غزة، مختلف تماماً عن اليوم السابق للحرب. وحماس وبما تمثله من مقاومة ودور سياسي تحاول تغيير المعادلة التي كانت قائمة. وهنا، فالهدف من تفكيك قدرات (حركة) “حماس” العسكرية، وليس السياسية، لن ينتهي بالحرب. وهنا يلتقي هدف أمريكا مع هدف “إسرائيل” لإغلاق ملف القضية وفرض الحل السياسي الذي تفرضه الحرب.
ولعل أبرز تداعيات الحرب أنها أوجدت بيئة سياسية جديدة بمحدداتها ومتغيراتها الجديدة، وهذه المحددات هي التي تُبنى على أساسها السيناريوهات المتوقعة، ومن أبرز هذه المحددات الجديدة استعادة دور “إسرائيل” كسلطة احتلال بأشكال جديدة في غزة، فبعد عام 2005 انسحبت “إسرائيل” من غزة وسلمتها للسلطة الفلسطينية بما فيها إدارة المعابر، واليوم تحاول “إسرائيل” باحتلالها للقطاع وكل المعابر تقرير كيف سيكون عليه اليوم التالي لغزة، وخصوصاً في البُعد الأمني الذي لن تتخلى عنه.
المحدد الآخر يتعلق بدور حماس التي كانت المسيطرة والحاكمة، واليوم فإن هذا الدور لم يعد قائماً بعد تقليص وإضعاف قدراتها العسكرية وفرض وقائع جديدة، بحيث لن يكون بمقدورها حكم غزة منفردة. ومن المحددات الجديدة بروز دور الجوار العربي، وخصوصاً مصر، بما تشكله غزة من بوابة أمنية لمصر، ويعنيها أن تكون هذه المنطقة آمنة مستقرة، إلى جانب الدور العربي الواسع من حيث الإسهام في إعادة البناء والإعمار وإدارة المرحلة الانتقالية. وإلى جانب هذه المحددات، هناك المحددات المتعلقة بحياة أكثر من مليوني نسمة بلا مأوى ويعيشون في الخيام، ثم محدد الإعمار ومن سيساهم فيه، وهذا المحدد قد يكون الأكثر أهمية لأنه يحتاج إلى عقود من الزمن لإزالة الركام وإعادة البناء، وهو ما يتطلب استبعاد خيار الحرب ونزع البنية العسكرية للمقاومة.
في سياق هذه المحددات، تبرز العديد من السيناريوهات التي ما زالت في عالم من الافتراض وعدم اليقين. هناك سيناريوهان مستبعدان، الأول سيناريو إعادة “إسرائيل” احتلالها لقطاع غزة ومسؤوليتها الكاملة عن إدارته، إذ ليس من مصلحة إسرائيل تَحَمُّل المسؤولية المباشرة عنه، لما يحمله من مقاومة مستمرة ومسؤولية عن أكثر من مليوني نسمة، لكنها لن تتخلى عن الدور الأمني لما تمثله غزة من بؤرة أمن أُولى لها، لذلك لن تسمح بالوجود العسكري للمقاومة، وفي الوقت ذاته لها مصلحة سياسية في أن تقوم غزة بدورها في الانفصال عن الضفة الغربية وعدم قيام الدولة الفلسطينية، أضف إلى ذلك الأهمية الاقتصادية والمردودات المالية للإعمار.
والسيناريو الثاني المستبعد، هو عودة “حماس” للحكم بشكل منفرد، والاحتفاظ بكل قدراتها العسكرية. لكن ذلك لا يعني استبعاد أي وجود سياسي واجتماعي وأمني لها.
ويمكن أن نضيف سيناريو ثالثاً مستبعداً في «اليوم التالي»/ وهو الحكم المباشر للسلطة الفلسطينية بواقعها القائم، رغم أن للسلطة وجوداً مباشراً في غزة من حيث مسؤوليتها عن آلاف الموظفين ودورها المباشر تجاه المخيمات الفلسطينية ومسؤوليتها الصحية وغيرها من الخدمات.
وترى الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام سارة بريكس إمكانية عودة السلطة الفلسطينية في إطارها الجديد وبتوافق فلسطيني، وهذا السيناريو يتطلب تغييرات كبيرة في بنية السلطة ودوراً أكبر للنخب المدنية في غزة. وترى الباحثة أن غياب السلطة سيكون أمراً مستحيلاً. ولا يمكن أيضاً استبعاد أي دور لـ”حماس” بما لديها من بنية إدارية وأمنية كاملة.
ليس من حق إسرائيل أن تقرر نيابة عن الشعب الفلسطيني كيف سيكون شكل الحكم في قطاع غزة في «اليوم التالي». ويرى الباحث في المؤسسة ذاتها آرون ميلر أن غزة يمكن أن تشهد نوعاً من الحضور النسبي للقوات الإقليمية.
أما أستاذ العلوم السياسة في جامعة واشنطن د. نيثان براون فيرى عكس ذلك، إذ يقول إن الدول الإقليمية قد لا تقبل الحضور تجنباً لأي تورط مسلح مستقبلاً. ويبقى أننا أمام نموذج معقد أشبه بـ«عقدة غوردون» التي تحتاج إلى سيف الإسكندر لاستئصال العقدة الرئيسية والمتمثلة في إنهاء الحرب “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية) وتحويل غزة إلى مجتمع مدني وإدارة مدنية. ولا ينبغي النظر لغزة على أنها حالة منفصلة عن إطارها الفلسطيني، فلا حل من دون هذه الإطار الجامع.