شمًاعة مجلس الأمن الدولي بين الرفض والتطبيق!
خاص “المدارنت”..
أليس للموقف الرسمي اللبناني أيّ وجود، بل منعدم الوجود، فترى كل مسؤول مهما علا كعبه (من دولة إلى معالي إلى سعادة إلى…)، يذهب بعيدا في جعل طائفته أو مذهبه تبعا إلى بلد أجنبي معين، فتتلمس التبعية على كافة المستويات (الدينية، والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية). ثم يعمل على تطويعها وتطبيقها في الموقع والمنصب الذي أوكل اليه ووضع فيه. على الرغم من اننا نتغنّى بما يتحلّى به لبنان من غنى تنوعي من ثقافة وطائفية ومذهبية، وذو وجه حضاري مميز وضارب في تاريخ الشرق الأوسط… (كل عمرو هذا هو لبنان).
أن الربط المفتعل بين لبنان وحرب غزة، لهو ظلم وجريمة، والسبب غياب الأفق السياسي العام، عالميا واقليميا، ولا يظهر سوى هدف واحد يتمثل بجعل لبنان ورقة ايرانية رابحة، تستخدمها حيث تدعو الحاجة، في ظروف غامضة معقدة، ونتيجة التقاطع مصالح الدول المؤثرة على الساحتين، الاقليمية والدولية (إيران والعدو الصهيوني المحتل، ومن جهة ثانية أميركا واوروبا والعالم الغربي).
وبعد حرب إبادة على غزة، حرب عاتية مدمرة، ورغم شرعية عملية السابع من تشرين الأول من العام الماضي، يتساءل الإنسان عن مكمن أهدافها العملية ونتائجها التي توجهت نحو مفاوضات الأمر الواقع، كما خططت أميركا وشركاؤها لها ذلك، وأن من حقائق ذلك التحول المثمر قد توجه نحو الحدود الجنوبية اللبنانية، ومن ثم نحو تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (1701). كما نتساءل عن دور قوات حفظ السلام الدولية؟ وهل جعلوا من الجيش الوطني، نقاط مراقبة وفرجة، لا تقدم ولا تؤخر؟ ولربما تجد نفسك أمام اسئلة تعجز الاجابة عنها لماهية الغموض والأوهام التي تتقنع وتتنكر بها. والسبب إخفاء الحقيقة وتصويرها بصور ترضي أطراف الصراع، إقليميا ودوليا.
لا شك أن الوضع خطير وخطير جدا، والاعلام اللبناني يأخذك بعيدا عن واقع الحال، فيتوجه بك إلى نشاطات فنية ومسرحيات، تعكس في عملها صورا من الأمن والأمان والاستقرار، بينما غزة تدمر وتقتل وتهجر، والجنوب اللبناني، يصارع ويجاهد ويحيا حياة النزف وحياة الموت. ولا كلام يثار لدى الشعب سوى كلام الدمار والخراب والتهجير والموت. ورغم الماسي وكل ذلك، فالملك المسيطر (ونافش ريشه) هو ذلك الصمت السياسي المطبق، عربا ولبنانيا، صمت يلف الوطن، يكفنه بثوب مرقع، لكل رقعة منها، لونها المتالق، متكبرة على قريناتها، متحدية: أنا هنا، وانا الوحيدة المنتصرة، يا للغباء المستشري..!
لقد غلبوا الشخصانية المتعجرفة، والمصالح الفردية، على الوطن لبنان، جاعلين منه: أجزاءً ملونة متناقضة متقابلة، وايضا جعلوه أشلاء أوصال مقطعة، ثم حولوه من لبنان الكبير إلى أصغر من صغير، حولوه إلى أحياء وزواريب ومزرعة محسوبيات، وهذا ما ارادوه لنا، كشعب (لبنان العظيم) يحمل ثقافات متنوعة المشرب ومتناقضة الرؤية والافكار، سيدها الحقد والكراهية والعداء. وهذا ما تهدف اليه تلك الحرب المفتعلة، وأخصّ الجنوب اللبناني، ما دامت القرارات الأولية الاساسية، وعلى المستوى السياسي والعسكري، في يد “حزب الله” وحده، وكيل إيران في الوطن العربي.
وعلى هذا الأساس تبيّن أن الحرب الممتدة من غزة إلى جنوب لبنان، قد حققت اهدافها، على مستوى الدول المخططة والمستفيدة، إقليميا ودوليا، والخاسر هي تلك الأرض المحروقة…
أيها الموقف الرسمي اللبناني، انك في موقع المضحك المبكي (مثل الصبي مع خالتو) يضحك مع الذين يضحكون، ويبكي مع أولئك الموجوعين المتالمين، وبكل اروحية تتجاهل عمل “حزب الله” في فتح جبهة الجنوب، والذي يؤكد على رفضه تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (1701) كما انه، كموقف للدولة اللبنانية، لم يبدِ اي تعليق لما يحصل في الجنوب، ولا بيان توضيحي يبن فيه مصلحة الدولة اللبنانية في ذلك.
وللبيان أن كل ما تحمله جعبة الموقف الرسمي اللبناني، إنما قد وضعه في سلة “حزب الله، الذي تملّك زمام الأمر في السياسة اللبنانية، والذي يعمل ويقاوم من أجل تحقيق أهداف ومصالح دولة إيران الاقليمبة، التي لم تنشر في المنطقة، سوى البؤس والحرمان والتدمير والتهجير. وهذا ما اظهره المشروع الإيراني التوسعي، إذ أنه قد قضى على العراق وسوريا ثم اليمن وصولا إلى لبنان، انطلاقا من جنوبه.
ونلفت النظر، إلى أن بعض المصادر الغربيةـ أفادت عن استعداد كل من “حزب الله” والعدو الصهيوني، البدء بمفاوضات لهدنة وقف إطلاق النار، بعد أن كان الصراع على مستوى مناوشات عسكرية، منخفضة المستوى، ولكنها تسعّرت في الاونة الأخيرة، واقتربت من حدود الحرب الشاملة، مع تهديد كل طرف بغزو الآخر.
في النهاية، أن توفرت الهدنة داخل غزة، فذلك ينسحب حتما على الحدود الجنوبية اللبنانية، بحيث ينسحب مقاتلو “حزب الله”، ويحلّ مكانهم الجيش اللبناني الرسمي. مع تأكيد لوقف إطلاق النار، من طرفي المتصارعين، من دون إخراجه بشكله الرسمي القانوني، لأن كلا الطرفين يبحثان سرًا عن بديل يسمح لهما التهدئة والهدنة، مع ضرورة بيان حفظ ماء الوجه، لأنهما لا يريدان حربا شاملة مدمرة لكلا الطرفين، إلى جانب ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (1701)، مع الإشارة، والحذر من أيّ خطأ غير محسوب يمكن أن يؤدي إلى حرب واسعة النطاق، تؤثر سلبا وتخريبا، على دول المنطقة.
المأزق صعب للغاية، والسبب تعلق الأمر بمصالح كل من أميركا وايران، ودور كل منها دور أساسي ورئيسي في المنطقة. لذلك كان التحرك الديبلوماسي واجب، والعمل إلى تدوير ما تم الاتفاق عليه، ماضيا وحاضرا، ثم حصره في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، حيث تتم عملية استقرار دائم ومستمر وطويلة الأمد. مقابل تحقيق انتصار “حزب الله” على المستوى الداخلي، فيكون فخامة الرئيس لحليفه مع بعض الامتيازات الاقتصادية والحدودية.
في النهاية، قد عبر اللبنانيون عن رغبتهم وتمسكهم بثقافة الحياة السعيدة والفرحة المقبلة، رافضين ما يحصل في الجنوب، حيث أن الجنوبيّين هم من سيدفع الثمن، بعد ثبات الهدوء الطويل، وإصدار تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (1701)، الذي سيضع حدًا للعمليات العدائية المتبادلة، ومن جهة ايران، فإنها تريد كسب الوقت لتكريس دورها الإقليمي، جراء كسب اعتراف الاميركان بذلك. لأنهما كانتا المحفّزان لوكلائهما في التصعيد على كافة الجبهات المتصارعة.