صاروخ اليمن يفضح الضعف العربي!
“المدارنت”
أهم وأبلغ ما قيل في التعليق على الصاروخ اليمني، الذي ضرب مطار «بن غوريون» هو تدوينة عابرة من سطر واحد، كتبها أحد المعلقين على شبكات التواصل الاجتماعي قال فيها: «إذا كان هذا صاروخ واحد من بلد عربي واحد، فماذا لو أطلقت كل الدول العربية صواريخها في لحظة واحدة وبالاتجاه نفسه؟».
واقعُ الحال إن إسرائيل تعطلت وارتعبت بسبب صاروخ واحد سقط إلى جانب المطار، من دون أن يصيبَ المطار ذاته، وتبعاً لذلك تعطل الميناء الجوي، وتعطلت رحلات السفر، وقررت تسع شركات دولية وقف رحلاتها إلى تل أبيب، وتكبدت إسرائيل خسائر مالية ضخمة، هذا فضلاً عن أن «القبة الحديدية» سقطت مجدداً في اختبار حماية الأجواء الإسرائيلية، وبدا أن اختراقها أمر ممكن، وهو ما يُشكل ضربة استراتيجية لمنظومة الدفاع الإسرائيلية التي استطاعت جماعة «أنصار الله» اختراقها.
وبكل تأكيد فإن السؤال الوجيه والبليغ، هو: ماذا لو تعرضت إسرائيل لقصف جماعي عربي من كل الاتجاهات، وبكل الصواريخ المتاحة؟ وهذا السؤال ليس له أي جواب سوى الصاروخ اليمني وارتداداته على إسرائيل. الصاروخ اليمني شكل إحراجاً للأنظمة العربية كافة، تماماً كما هي غزة الصامدة منذ 19 شهراً أمام دولة الاحتلال، التي هزمت ثلاث دول عربية في عام 1967 خلال ستة أيام فقط، إذن هذه حالات مُحرجة جداً لدول لم تصمد أمام إسرائيل سوى ساعات معدودة، ثم استسلمت سريعاً بعد أن فقدت مساحاتٍ واسعة من أراضيها. المهزوم دوماً يحاول إقناعك بأنه مني بالخسارة أمام قوة كبرى عملاقة، لا يستطيع أحدٌ هزيمتها، وهذا النوع من التبرير هو محاولة لحفظ ما تبقى من ماء وجه المهزوم،
ولذلك فإن «الذباب الإلكتروني» العربي ينهمك منذ 19 شهراً في الحديث عن جزئية واحدة تتعلق بحرب الإبادة، وهي أن إسرائيل قوة كبرى، لا نستطيع التصدي لها، وأن أي عملية تقوم بها المقاومة سيكون ثمنها مرتفعاً، وأن غزة قد تمت هزيمتها بشكل كامل، وبذلك لحقت بركب المهزومين العرب، الذين يستسلمون لإسرائيل تباعاً منذ نكسة عام 1967 وما تلاها.
في المشهد العربي الراهن ترى دولاً صمدت أمام إسرائيل ساعاتٍ قليلة، تسدي النصائح والتوجيهات والتنظير لحركة مسلحة لا تزال صامدة أمام إسرائيل منذ 19 شهراً، أو تقدم النصائح وتوجه النقد لحركة استطاعت، إغلاق مضيق باب المندب لشهور، وغيرت خطوط الإمداد في الحراك التجاري العالمي. والحقيقة أن المهزوم يودُّ لو أن الجميع غيره مهزومون على يد المنتصر ذاته، وذلك لسببين، الأول أن المغلوب يتبع الغالب بطبيعته، كما يقول ابن خلدون، ويرى المغلوبُ في الغالب عملاقاً يُقتدى في كل شيء.
أما السبب الثاني فهو أن المغلوب يودُ تضخيم الغالب وإظهاره على أنه قوة لا تُقهر، ولذلك انكسر هو أمامها، لا بل أن المغلوب يبدأ في إعطائك الدروس في كيفية الاستسلام بأقل الخسائر، ويقول لك بعد 19 شهراً من الصمود: ألم يكن من الأفضل والأجدى لك أن تستسلم بعد ستة أيام بدلاً من أن تتكبد كل هذه الخسائر؟ ألم نقل لك بأنك لن تقوى على مواجهة هذا الغول؟ هؤلاء المهزومون يرون في صمودك إهانة لهم لأنك تفضحُ ضعفهم وهوانهم في كل يوم.
الصاروخ اليمني، ومعه الصمود الفلسطيني في غزة، فضحا الضعف العربي بصورة لم نشهدها من قبل، وأحرجا المهزومين العرب، الذين كانوا لعقود يتقاطرون على تل أبيب لتقديم قرابين الولاء والطاعة والتطبيع.. الصاروخ اليمني جعل المواطن العربي يؤمن بأن لدينا القدرة، ولكننا نفتقد للإرادة والقرار، ونستطيع المواجهة، لكننا لم نكن نفعل لأننا لا نريد وليس لأننا لا نستطيع.
كل ما هنالك أن الصاروخ اليمني أصاب العرب قبل أن يُصيب تل أبيب، ونسف التابوهات العربية التقليدية، قبل أن يُفجّر مطار «بن غوريون»، وعطل منظومة الدعاية العربية التي تسوق للهزيمة، وتُنظر للاستسلام قبل أن يُعطل رحلات الطيران الإسرائيلية.. وهذه هي كل الحكاية.