صحيفة عبرية: الدليل الميداني يؤكد أن رجال الإغاثة الفلسطينيّين قتلوا من مسافة صفر!
“المدارنت”
قوة دورية غولاني التي قتلت عاملي الإغاثة في رفح حصلت على تقرير عن حركة متزايدة لسيارات الإسعاف في المحور قبل فترة قصيرة على الحادثة، وأطلقت النار عليهم طوال ثلاث دقائق ونصف على التوالي، حتى من مسافة صفر، من خلال تبديل مخازن ذخيرة كثيرة، رغم أن العاملين حاولوا الإعلان عن هويتهم – هذا ما يتضح من المواد التي جمعت بعد الحادثة ونقل جزء منها إلى طواقم التحقيق العملياتي وتحقيق هيئة الأركان.
هذه المواد المنشورة تشير أيضاً إلى عدم انضباط عملياتي لــ “غولاني”، وعدم الموثوقية في الروايات التي أخبروها للقادة والمحققين. يتضح من هذه المواد أن سلوك القوة عرض الجنود والقوات الأخرى في المنطقة للخطر.
التحقيق الذي أجراه جهاز الاستقصاء التابع لهيئة الأركان ونشرت خلاصته هذا الأسبوع على الجمهور، استهدف صد النقد الدولي، بشأن قتل 15 عامل إغاثة، لكنه لم يعرض الصورة الكاملة. “هآرتس” تعرض الآن عدة تفاصيل لم تكشف بعد عن تلك الليلة في رفح، وتلقي الضوء على سلوك القوة. نقلت التفاصيل إلى النائبة العسكرية الرئيسية يفعات تومار يروشالمي، التي تفحص الشهادات والمواد التي جمعت في التحقيق، وستقرر إذا كان هناك أساس لفتح تحقيق في الشرطة العسكرية.
تحقيق هيئة الأركان الذي ترأسه الجنرال احتياط يوآف هار إيفن، وجد أن القوة أطلقت النار في ثلاثة أحداث مختلفة على سيارات إسعاف وسيارة للأمم المتحدة بالخطأ، التي تجاوزت التعليمات أحياناً. استنتاجات التحقيق التي نشرت على الجمهور رفضت الادعاءات والشهادات التي تفيد بتقييد عاملي الإغاثة وإعدامهم، وحتى إنه جاء بأن “القوات لم تطلق النار عشوائياً”، هذا رغم أن المواد التي عثر عليها تشير إلى أن إطلاق النار بشكل عشوائي لثلاث دقائق ونصف على التوالي على قافلة سيارات الإغاثة كان في حالة من الحالات.
في الليلة التي جرى فيها الحادث، 23 – 24 آذار، استعد الجيش الإسرائيلي لشن هجوم مفاجئ على حي تل السلطان في رفح، الذي خطط له في 24 آذار. في الأيام التي سبقت العملية، انتشرت في المنطقة قوات من الفرقة 36 وفرقة غزة. لاحظ الجيش الإسرائيلي في فترة وقف إطلاق النار أن عدداً كبيراً من نشطاء حماس الذين ينتمون للواء رفح بدأوا يعودون إلى منطقة إنسانية في المواصي، حيث اختبأوا في محاولة لإعادة تنظيم اللواء الذي تضرر أثناء القتال. الإعلان عن إخلاء تل السلطان كان يمكن أن ينشر على السكان في الثامنة صباحاً، والهجوم المفاجئ كان يمكن أن يؤدي إلى هرب المخربين من المكان.
طُلب من قوة دورية غولاني التي عملت تحت اللواء 14 الذهاب إلى كمين بدون اكتشافها، وحتى لحظة نشر التعليمات للسكان بالذهاب إلى الأماكن الإنسانية. مهمة القوة كانت نصب كمين في المكان الذي قدر فيه الجيش أن مخربي حماس الموجودين في رفح سيحاولون الهرب إليه برعاية السكان المدنيين – والمس بهؤلاء المخربين.
انطلقت القوة في الساعة الثانية فجراً، وتمركزت في المحور الذي يجب على السكان مغادرة المنطقة عبره والتحرك نحو خان يونس والمواصي. في الجيش الإسرائيلي آلية استهدفت السماح لمنظمات الإغاثة التي تعمل في القطاع بطلب السير في المحاور التي حظرت فيها الحركة بدون أن يمسهم الجيش فيها. ولكن المحور الذي تمركزت فيه القوة في تلك الليلة كانت الحركة فيه مسموحة في حينه لرجال الإنقاذ المواطنين، لذلك لم يكن واجباً على عاملي الإغاثة والطواقم الطبية التي سافرت فيه طلب مصادقة للسفر فيه. هذا خلافاً لما قيل في بيان الجيش الإسرائيلي الأول الذي نشر بعد الحادثة. بأثر رجعي، تبين أن البيان ارتكز إلى معلومات خاطئة أرسلتها القوات في الميدان.
في الساعة 3:30 تقريبا قوة أخرى عملت في المنطقة، التي قادها نائب قائد السرية في اللواء، أبلغت القوات الأخرى في جهاز الاتصال الانتباه إلى حركة سيارات إسعاف في المحور. في التقرير الذي أرسلته القوة لم يتم ذكر أي اشتباه بخصوص سيارات الإسعاف. قوة الدورية التي سمعت التقرير تمركزت على بعد 30 متراً من المحور.
في الساعة 3:57 تحركت على المحور سيارة إسعاف مع أضواء ساطعة في رحلة روتينية. لم يتمكن ركاب هذه السيارة من رؤية الجنود في المكان، الذي لا يمكن تمييزه أثناء السفر في المحور. ولأن القوة كانت داخل “منطقة مسيطرة”، أي منطقة أعلى من المحور، لم يكن بإمكان سيارة الإسعاف تنفيذ عملية دهس أو تهديد الجنود الذين أرادوا عدم الانكشاف قبل شن الهجوم الكبير على تل السلطان.
كل المنطقة كانت مظلمة أثناء الحادث، لذا فلا شيء يخفي الأضواء الساطعة، هذا ما يتضح من توثيق الحادث الذي عززه الجيش الإسرائيلي، ووصل من المسيرة والحوامات التي رافقت القوة. نائب قائد دورية غولاني، ضابط الاحتياط الذي ترأس القوة، قرر على مسؤوليته تغيير المهمة وأمر القوة بالاستعداد لإطلاق النار على سيارة الإسعاف التي سافرت نحو الكمين. وعندما كانت السيارة على وشك المرور قرب القوة، أطلق الجنود النار عليها، وانقضت القوة من خلال إطلاق النار على السيارة التي قُتل فيها اثنان من عاملي الإغاثة وشخص آخر اعتقلته القوة.
أحد الجنود، الذي لا يتحدث العربية جيداً، حاول أخذ معلومات من المعتقل بخصوص هوية القتلى، وتوصل إلى استنتاج من أقواله بأن الأمر يتعلق برجال حماس. نائب قائد الكتيبة أبلغ قائد اللواء الذي كان في غرفة العمليات، عن إطلاق النار والقتلى. قائد اللواء 14، العقيد طل الكوبي، حاول في محادثة مع القوة التي في الميدان تقدير إذا أدى الحادث إلى كشفهم، ما قد يضر بخطة الهجوم الكبيرة، أو إذا تضرر عنصر المفاجأة. في محادثة بينهما، قال نائب قائد الكتيبة إنه يقدر بأنه لم يتم كشف القوة.
أطفأ الجنود سيارة الإنقاذ والأضواء، وأخفوا الجثث، وعادوا إلى نقطة الكمين. وقال نائب قائد الكتيبة في شهادته بأنه لم يكن بالإمكان رؤية أضواء سيارة الإسعاف من المكان الذي كان يستلقي فيه، وأنه اعتقد أن الأمر يتعلق بسيارة لشرطة حماس، لذلك قرر إطلاق النار، رغم أنها ليست مهمته. طاقم التحقيق التابع لهيئة الأركان لم يقتنع برواية نائب قائد الكتيبة، وقرر إجراء استعادة للحادث في قاعدة في مركز البلاد لفحص روايته.
وبعد تمثيل الحادث، لم ينجح نائب قائد الكتيبة في إقناع المحققين بروايته، لكنهم وافقوا على موقفه القائل بأن الأمر يتعلق بمنطقة قتال، وأن القوة في حالة تأهب قبل هجوم كبير، لذلك ركزوا على اتخاذ القرارات العامة وليس الخطأ في تشخيص سيارة الإسعاف الأولى التي أصيبت.
بعد إطلاق النار الأول، عادت القوة إلى النقطة التي استلقى فيها في الكمين وحسب تعليمات قائد اللواء 14 الذي قدر عدم كشف القوة وأن عنصر المفاجأة بقي قائماً. في الساعة 5:06 صباحاً، تحركت قافلة من السيارات، شملت سيارات إسعاف وسيارة دفاع مدني، في المحور. كانت جميع السيارات مضاءة وساطعة، ولم يكن من الصعب تمييزها في هذه المنطقة المظلمة.
نائب قائد الكتيبة قال في شهادته بأنه من اللحظة التي اعتقد فيها أن القتلى في السيارة الأولى من نشطاء حماس، قدر أن قافلة سيارات الإسعاف التي تشق الطريق نحو المكان هي بالفعل قافلة لنشطاء حماس الذين عرفوا عن الحادث وجاءوا لأخذ جثث أعضاء حماس الذين قتلوا كما يبدو، ومهاجمة قوة دورية غولاني. السيناريو الذي تخرج فيه قوة لحماس في سيارات إسعاف إلى المكان الذي يعرفون أن فيه قوات للجيش الإسرائيلي، ليس بالسيناريو الذي يقابله الجيش الآن في القتال. لذا، لم يقتنع طاقم التحقيق وقيادة اللواء برواية نائب قائد الكتيبة.
اقتربت قافلة سيارات الإسعاف من مكان كمين القوة في سفر بطيء نحو المكان الذي كانت فيه جثث ركاب سيارة الإسعاف الأولى. خلافاً للادعاء بأن القافلة عرضت القوة للخطر، فإن توثيق الحادث يثير شكاً إذا كانوا قد عرفوا عن وجود جنود في المكان. توقفت القافلة قرب السيارة التي أصيبت، ونزلت الطواقم الطبية منها باتجاه الجثث، على الجانب الثاني للمحور، وفعلياً ابتعدت الطواقم الطبية عن مكان كمين قوة الدورية. رجال الطاقم الطبي كانوا يرتدون سترات واقية مضاءة، وتركوا أضواء تعريفهم مضاءة والصافرات مشغلة؛ لتسليط الضوء على وجودهم في مكان الحادث؛ خوفا من أن يمس بهم الجيش الإسرائيلي.
عند توقف القافلة، أمر نائب قائد الكتيبة القوة بإطلاق النار على السيارة. لقد أمر الجنود الذين يحملون الرشاشات بإطلاق النار من الكمين، وأمر باقي القوة بالانقضاض على القافلة، المسافة بين القافلة وجنود القوة 20 – 30 متراً، لذا كان بإمكان القوة كلها أن تميز بواسطة أجهزة الرؤية الليلية التي كانت معهم، أن الأمر لا يتعلق بمسلحين، بل بطواقم طبية.
الجنود الذين انقضوا وصلوا خلال ثوان إلى طاقم الإنقاذ، ونفذوا خلال ثلاث دقائق ونصف إطلاق نار متواصلاً عليهم. ثم بدل الجنود مخازن الذخيرة واستمروا في إطلاق النار، حتى عندما اتضح لهم بأن لا يوجد هناك إطلاق نار من الطرف الثاني، بل صراخ رجال إسعاف حاولوا تعريف أنفسهم. حاول بعض رجال الإسعاف الهرب إلى المنطقة المفتوحة، لكن بعد انتهاء ثلاث دقائق ونصف دقيقة من إطلاق النار المتواصل من مسافة صفر، قتل 12 منهم.
تبين في التحقيق العملياتي للقادة أن سلوك القوة في المكان كان بدون اكتراث، لم تعمل القوة في خط مستقيم أثناء الهجوم، حيث مر الجنود أمام مواقع بعضهم أثناء إطلاق النار بدون الحفاظ على حدود القاطع، وكان يمكن أن تنتهي الحادثة بقتلى نتيجة إطلاق النار من الجانبين. وقد توصلت التحقيقات التي أجرتها هيئة الأركان إلى هذه الاستنتاجات أيضاً.
نائب قائد الكتيبة أرسل تقريراً عن الحادث، لكنه أبلغ في البداية عن قافلة غير مشخصة وبدون أضواء، وقال إن قرار إطلاق النار كان من خلال شعور بالخطر على القوة، رغم أن توثيق الجيش ينفي ادعاءاته. قائد اللواء 14 تحدث مرة أخرى مع نائب قائد الكتيبة للاستيضاح إذا تم كشف القوة وإذا كان عنصر المفاجأة تضرر قبل الهجوم على تل السلطان، الذي كانت كل قوات الكتيبة 36 متأهبة له.
رئيس الأركان أيال زمير، أقال نائب قائد الكتيبة عقب الحادث “بسبب مسؤوليته كقائد قوة في الميدان، وبسبب تقرير ناقص وغير دقيق قدمه أثناء التحقيق”. وتقرر أيضاً أن العقيد طل الكوبي، قائد اللواء 14 تصرف بإهمال في إعداد الجنود للعملية، وحصل على ملاحظة انضباط في ملفه الشخصي.
قال الهلال الأحمر وجهاز الدفاع المدني إن رجال الإسعاف الذين قتلوا في الحادث هم مصطفى خفاجة، وعز الدين شعث، وصالح معمر، ورفعت رضوان، ومحمد بهلول، وأشرف أبو لبدة، ومحمد الحيلة، ورائد الشريف، ويوسف خليفة، وفؤاد الجمل، وزهير الفرا، وأنور العطار، وسمير البهابشة، وإبراهيم المغاري، وكمال شحتوت. وجاء في تحقيق هيئة الأركان، أن ستة منهم من رجال حماس، بعد تشخيصهم بأثر رجعي. لم يفصل الجيش من هم رجال حماس من بين الـ15، وماذا كان دورهم. مصادر مطلعة قالت إنه حتى لو تعلق الأمر بنشطاء لحماس، فإنهم ليسوا أشخاصاً من الذراع العسكري لحماس.