تربية وثقافة

صرخة المقهورين من متقاعدي المدارس الخاصّة

“المدارنت”..
إنّها رسالةٌ مفتوحةٌ لكلٍّ منْصفٍ واعٍ، بعد أن ضاقت بنا السّبل وسُدّت أمامنا الطّرق. هي رسالةُ المتقاعدين المدفونين أسفلِ مداميك الوطنِ.
صحيح أنّ في هذا البلد الحزين الكلّ يصرخ والأغلبيّة موجوعة. ولكن نحن لسنا كالجميع. غيرنا يصرخ وقد حصل على ثلاثة أضعاف مرتّبه ، ويقبضه على منصّة صيرفة، ويحصل على بدل إنتاجية وحوافز وبدل نقل و… أما نحن، فصرختنا المدفونة المكبوتة هي ما فوق الحق وما أعلى من الضروريّ، لأننا لم نحصل لا على ما ذكرنا سابقا، ولا على أقلّ من ذلك. عرفتم الآن لماذا نحن في أسفل مداميك الوطن؟ بالله عليكم أشيروا لنا، هل هناك فئة من الشّعب اللبناني مثلنا؟
البعض منّا يا سادة يا كرام راتبه لا يتجاوزُ 15 دولارًا، وفي أحسنِ الأحوال 25 دولارًا. يعني ذلك (50 ألف ليرة يوميّا)، أيّ ثمن خبز نأكله ناشفا، ولجنة المؤشر تقول أن بدل المياومة أصبح 410 آلاف ليرة في قطاع سيكون الحد الأدنى فيه تسعة ملايين ليرة، والحد الأقصى أربعة عشرة مليون ليرة، ونحن الحد الأدنى للمتقاعد منّا مليون ليرة، والحد الأقصى ثلاثة ملايين ليرة.
وما يزيد الطّين بلّة، أنّ البعض منّا ممّن لديه خميرة أو قروش بيضاء، خبّأها ليوم أسود، كيومنا هذا، وطبعا من حقوقِنا وجيوبنا من دون منّة من أحد، أو هي أموال تعويض نهاية خدمته (الفتات)، تراها محجوزةً في المصارف بحججٍ واهيةٍ. وإذا كان التعويض في شك مصرفي فعلى الدنيا السلام، فإنّك لن تستطيع أن تقبض منه قرشًا، وإن كنت ستقبضه فهناك مافيات العمولات أو السّرقات المصرفيّة التي ستأخذ ربعه أو نصفه لتعطيك ما تبقّى منه.
لماذا هذا الإنكار والتّعامي والفصل في القطاع التعليمي الذي يملك قانون وحدة التشريع؟! فهل متقاعدو التعليم الخاص أبناء الجاريةِ، وغيرهم أبناء الست؟ هل وصلَ الأمرُ بأصحاب النّفوذِ أن لا يسمحوا لنا بفَتْحِ حساب مصرفيٍّ لتقاعدِنا “الشّيْخوخي”؟ وبالعودة لكلمة (الشيخوخة) أكثرنا اليوم بلا ضمان اجتماعي، بحجة أنّ أعمارنا دون الستين سنة، عجبًا – كيف موّلنا صندوق الضمان الاجتماعي لأكثر من ثلاثين سنة محسومات من رواتبنا، والآن نُطرد منه كأنه أصابنا الجرب. ومن ظلّ منتسبا إلى صندوق التعاضد منّا يطالبون الآن أن يدفعوا لهذا الصندوق مئات الدولارات، لقاء تقديم بعض الخدمات الصحّية.
أما أنتم يا أصحاب المصارف، فبدلا من أن ترفعوا لنا سقوف السّحوبات الشّهرية لنقبض فتات رواتبنا بالليرة اللبنانية كاملة، تلزموننا أن نشتري بها موادًّا غذائية. لقد تركْتُمونا أيها المعنيّون بأمرنا فريسةَ ظلْمِ المصارفِ، وإجْحافِ الدولةِ، وأصحابِ المدارس الذين لا يسدّدون ما عليهم لصندوق التعويضات الذي يجب أن يفعّل دوره، ويتّخذ القرارات والإجراءات المناسبة في حق المدارس التي تتخلّف عن الدفع، ولا يرفع دائما شعار: “القانون لا يسمح”، فالقانون ليس منزلا من السماء ويمكن تعديله – ويجب تعديله – من أجل حقوق المتقاعدين، فلا يكون المعلم هو الضحيّة، فالصّندوق يجب أن يكون أمينا على حقوقنا، وليس أمينا على مصالح مافيات المدارس الخاصّة حيث أنّ الذي يدفعونه للصندوق تحت مسمّى “محسومات المعلّم” لا يساوي قروشًا أمام ما يقبضونه حاليا بالفريش دولار من أولياء التلاميذ.
أين حقّنا من الستّ درجات ومفعولِها الرّجعيّ، وهل المتقاعد قبل صدور القانون 46 بتاريخ 21 آب 2017، ليس له الحق بكل ذلك؟ّ والتقاعد عادة يحصل في بداية تشرين الأول، وعليه فإنه من تقاعد قبل 21 آب 2017، عليه أن يستفيد من بداية تشرين الأول 2016 من هذا القانون؟ أين غلاء المعيشة وفروقاتها التي هي حق لنا ولم نبرّئ ذمّة صندوق التعويضات منها؟!
نحن ما زلنا ننتظر وعودًا من هذا الصندوق الذي لا نعرف ماذا يدور فيه، فهو كمغارة مقفلة أمامنا، رغم أن اسمه مأخوذ على ما اعتقد من صفتنا كمتقاعدين نقبض تعويضاتنا منه. أين أصبحت العشرة مليارات ليرة التي سمعنا بها والتي وعدتمونا أنكم متى حصلتم عليها ستحسّنون رواتبنا؟! نطالب إدارتكم الكريمة بزيادة رواتبنا بما يتلقّاه هذا الصندوق من مساعدات ومنح وهبات إلى حين صدور تشريع يُنصفنا.
نعيدُ ونكرّرُ، نحن لا نريد أكثر من المساواة مع غيرنا من المتقاعدين بما يخصّ الزيادات والدّرجات والتقديمات الاجتماعيّة التي تنصّ عليها القوانين في ما خصّ وحدة التعليم الرّسمي والخاصّ. وأنتم أيّها الوزراء والنوّاب الأفاضل لماذا لم تُدْرَجوا هذه الزيادات في الموازنة التي تفصّلونها على قياس مصالحكم؟ أين نحن من الأموال التي ترصدُها المنظّماتُ الدّوليةُ، والجهاتُ المانحةُ لكلّ فئات الشّعب – ونحن منهم؟! لماذا يتمّ التمييز فينا بين مصرف وآخر؟! بعضنا يقبض من مصرف ما بالدولار، والبعض لا يرى دولارا واحدا، وآخرون يقبضون نصف راتبهم والبعض يقبضه كاملا من فروع المصرف نفسه. كيف هي هذه الاستنسابيّة والمزاجية في قبض الرواتب؟ هل نحن في بلد الجنون والتخاريف والهبل؟!
نحن أيّها المسؤولونَ، لا نطلبُ من عظَمَتِكم منّةً ولا حسنةً، نحن نطالب بأدنى حقوقِنا في المواطنةِ. فهل خمسةُ آلافِ معلّمٍ متقاعدٍ مسنّ لا يُحرِّكُ فيكم ساكنًا؟ وهنا، لا بدّ أن نسلّطَ الضّوءَ – من باب الاعتراف بالجميل – على نقيب المعلمين الاستاذ نعمة محفوض، الذي يبذل الجُهْدَ الكبير من أجل الوصول الى بعضٍ من حقوقنا، حيث يُدافعُ ويُحاضِرُ بشكل حثيثٍ عند كلّ منْبَرٍ شارحًا معاناتنا، ومعاناةِ المعلّمين في التعليم الخاص في بلدٍ كنّا نتغنّى فيه بأشعار وأغانٍ برّاقه، وهو الآن بفضْلِ جهودِ أصحابِ السّلْطةِ، أقْرَبُ ما يكونُ إلى سوداويّةِ النّكباتِ وظلاميّةِ الحقوق… والله المستعان على ما تفعلون.​

“المعلّمون المتقاعدون في التعليم الخاصّ”..

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى