مقالات

صمت العالم أمام هندسة الإبادة وسياسة التجويع!

“المدارنت”
مسارات الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها، تُثبت أنّ نتنياهو وضع مصالحه الشخصية فوق مصالح إسرائيل وأمريكا. وحكومته المتطرفة جعلت ضم الضفة الغربية أولويتها، منذ أن وصلت إلى السلطة في أواخر عام 2022. وبدلا من هيكل الأمن والسلام للمنطقة، كما ردده كثيرون منذ عقود، تتصرف حكومة الإبادة والتطرف في إسرائيل بطرق تهدد المصالح الأمريكية نفسها في منطقة تهيمن عليها واشنطن وحلفاؤها العرب وإسرائيل.
هذه الحكومة الإسرائيلية القومية المتطرفة والمسيحانية، ليست حليفة أمريكا، حسب توماس فريدمان، لأن هذه أول حكومة في تاريخ إسرائيل لا تُولي أولوية للسلام مع جيرانها العرب، ولا للمنافع التي سيجلبها تعزيز الأمن والتعايش. أولويتها هي ضم الضفة الغربية، وطرد فلسطينيي غزة، وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية هناك. من المرجح ترك المستوطنات الإسرائيلية دون مساس، فالإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، تُشجّع على التوسع الإسرائيلي، ويبقى الفلسطينيون في كل ذلك محرومين من كل حقوقهم المدنية والسياسية.
اليمين المتطرف الذي بات يمسك بآليات القرار في إسرائيل، يدعو إلى تكريس المشروع الصهيوني على كل الأراضي الفلسطينية، وأوّلها المستوطنات. ولم يمنعه من ذلك لا الديمقراطيون ولا الجمهوريون، الذين تداولوا على حكم أمريكا ولهم قدرة على الضغط على الكيان الإسرائيلي، لو أرادوا. لذلك أصبح قادة هذا الكيان لا يهتمّون لأي مواقف خارجية، سواء من الجانب الأمريكي، أو الأوروبي مع كل ما يقترفونه من جرائم وانتهاكات ضد الإنسانية. بعد كل ما حصل، هل من غير المرجح أن تنجح طموحات نتنياهو لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حسبما طرحته «فورين أفيرز»؟
يتخيّلون أن ولي العهد السعودي، الذي رحّب بالرئيس الأمريكي كما يجب في الزيارة الأخيرة، سيقود حملة الحكام العرب الذين يصطفون لتطبيع العلاقات. وبهذا الحساب، سيكون ترامب الذي زرع علاقات مثمرة مع السعوديين وجيرانهم الخليجيين، خلال إدارته الأولى كما هو الشأن في فترته الرئاسية الثانية، بمثابة الورقة الرابحة في يد إسرائيل. ويراهن المتشددون في الائتلاف مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، على أنه مع سماح واشنطن للحكومة الإسرائيلية بالتصرف على هواها، سيضطر الفلسطينيون المحرومون من رعاتهم التقليديين، وأساسا جبهة المقاومة اللبنانية السورية، التي كانت السند القوي لهم، إلى الرضوخ لشروطهم لأنّ لديهم خيارات قليلة متبقية. تعاطي العالم مع ما يحدث في غزة يُلقي ظلاّ أسود على المستقبل الديمقراطي والتطلعات الإنسانية والتعايش المشترك.
ويزداد الأمر سوءا مع إصرار نتنياهو على إعادة احتلال غزة وحصار السكان بين البحر ​​من جهة، والحدود المصرية من جهةٍ أخرى، مع المضي قدما في ضمّ فعلي لمزيد من الأراضي في الضفة الغربية. ولا يهمّهم في كل ذلك تهم جرائم الحرب التي ستحميهم أمريكا منها كالعادة. في الأثناء، يتوقع المحللون الإسرائيليون، أمثال عاموس هاريل، أن يستخدم الجيش الإسرائيلي قوة عدوانية للغاية في عملياته الميدانية، التي تصر حكومة نتنياهو على تكثيفها، بما أنه سيحاول تقليل الخسائر في صفوف جنوده، ما سيؤدي إلى أضرار جسيمة ودمار شامل في البنية التحتية المدنية المتبقية في غزة.
إن نزوح السكان إلى مناطق المخيمات الإنسانية، إلى جانب النقص المستمر في الغذاء والدواء، قد يؤدي إلى المزيد من الوفيات الجماعية بين المدنيين، ضمن حرب تجويع واضحة تحدث أمام أنظار العالم. الفلسطينيون يموتون كل يوم بالقصف والتجويع، ولا إجراءات عملية من قبل العرب، أو الغرب، وكأنّ الأمر بات لا يعنيهم، وينتظرون فقط أن تتم تصفية جميع الأبرياء والأطفال في غزة. في المحادثات التي توسطت فيها مصر، قال مبعوثو حماس إنهم قد يسلمون المسؤوليات الإدارية إلى لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين، ولكن من غير المرجح أن تحل الحركة جناحها المسلح طوعا، حتى لو توقفت عن إدارة الشؤون المدنية في غزة. ولأن العديد من المانحين الأجانب سيخشون على الأرجح تقديم المساعدة ما لم تتنح حماس، فمن الممكن حسبما ذهبت إليه «نيويورك تايمز»، أن تتنازل الحركة عن السلطة طوعا لقيادة فلسطينية بديلة، بدلا من الاستمرار في رئاسة أرض قاحلة لا يمكن حكمها. لأنّ حماس إذا ما بقيت في السلطة، فسوف يكون من الصعب على الحركة إعادة بناء غزة من دون دعم أجنبي.

هل أنّ رؤية ترامب لشرق أوسط جديد قد تغيّرت فعلا، وأصبحت تحكمها الصفقات العقارية، لا العمليات العسكرية التي لا تنتهي؟ مشهد زيارته للخليج وعقد صفقات بآلاف المليارات، قد يوحي بشيء من ذلك. ولكن ماذا عن الحرب الكارثية المتواصلة على غزة، التي أثبتت حقيقة المشروع الأمريكي الصهيوني، ومن ورائه المتذيلين من دول أوروبية صاحبة الماضي الاستعماري. بعد زيارة ترامب الأخيرة إلى المنطقة، وتصريحه عن موافقة القيادة السورية على لسان أحمد الشرع، تطبيع العلاقات مع إسرائيل في المستقبل ضمن مسار براغماتي. تُثار مرة أخرى الأسئلة عن أفق الصراع في ظل استمرار الحرب، والمزيد من مخططات الضم والاستيطان، وتوغّل إسرائيل في اليمين، رغم الارتباك السياسي الحاصل في الداخل، وإمكانية تفكك حكومة نتنياهو.
تثار الأسئلة عن أفق القضية الفلسطينية في ظل اتفاقيات التطبيع، التي دشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين دول عربية، وكيان يحتل الأرض والبحر والسماء، ويقتل الأطفال والنساء بلا رحمة، حالة العرب ومدى انقسامهم وضعفهم وانهزاميتهم غير المسبوقة في التاريخ، وتودّدهم المفضوح للولايات المتحدة دون غيرهم من دول العالم، رغم أن أمريكا تندحر كقوة عالمية أمام الصين وروسيا، عسكريا واقتصاديا وبكل الموازين الجيوسياسية والاستراتيجية. مثل هذه الحالة تجعل هذا الفكر السياسي المهزوم لدى الحكومات العربية والسياسات المتخاذلة التي يواصلون اتباعها لا تعزز، سوى الاستسلام والخضوع. في النهاية، اتفاقيات التطبيع التي حصلت أضفت الطابع الرسمي على العلاقات التي كانت ضمنية لسنوات عديدة بين هذه الدول والكيان الصهيوني، ولن يحدث الجديد أو غير المنتظر، الذي من شأنه أن يفاجئنا كشعوب عربية، وصفقات تطبيع جديدة ممكنة ومؤشراتها واضحة.
كبير مستشاري السياسات السابق في القيادة المركزية الأمريكية هانز ويكسل، اعتبر أنه كلما بدت الأمور ميؤوسا منها بالنسبة للتطلعات الفلسطينية، قلّ الاستعداد في المنطقة لتوسيع التكامل الأمني ​​الأمريكي العربي الإسرائيلي، الذي كان من شأنه أن يُحقق مزايا طويلة الأمد على إيران والصين، دون الحاجة إلى موارد عسكرية أمريكية كبيرة في المنطقة لاستدامته. يبدو أنّ التكامل يتوسّع بالتوازي مع تصفية فلسطين، قضية وشعبا. إسرائيل تمعن في تعميق الأزمة، متمسكة بأيديولوجيتها العنصرية، التي تتسم بالكراهية للفلسطينيين وللعرب. الفلسطينيون يتعرضون للطرد، والتعسف وإجرام المستوطنين ولا أحد يهتمّ. وهو مصير محتوم لمن يفتقرون إلى القوة، ولا يتذللون عند أقدام من يدّعون أنّهم «أسياد الطبيعة ومصير العالم بيدهم».

لطفي العبيدي/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى