صناعة الوعي الحقوقي “7”
//خاص المدارنت//… سابعاً: الصعوبات والعراقيل لعملية صناعة الوعي الحقوقي الإيجابي :
قلنا سابقاً إن عملية “صناعة الوعي الإيجابي” بشكل عام، والحقوقي كجزء منه بشكل خاص، هي السبيل الوحيد والأوحد لإخراج المجتمعات والشعوب والأمم المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة، مما هي فيه وعليه “وعي التخلف”، والوصول بها إلى “وعي التنوير”، بما ينتج عن ذلك، ويترتب عليه من نتائج إيجابية تنعكس إيجابيا على حياتها، بحيث يستطيع الإنسان الفرد أولا الحصول على حقوقه كاملة غير منقوصة، حيث تصبح تلك الحقوق مقدسة، لا يجوز المساس بها والتعرض لها، ناهيكم عن منعها وحرمانها. وأن تلك العملية لا بد أن ترتكز على ركائز أساسية، سماتا وخصائصا ومظاهرا.
إن “النخبة”، وفي مقدمتهم “المثقفون الإنسانيون الكبار”، هي المؤهلة الوحيدة للقيام بتلك العملية، شرط توفر الشروط الموضوعية لإنجاحها وإنجازها، ومتى توفرت تلك الشروط والمقومات الموضوعية لها وأمامها، فإن الطريق أمامها لن يكون سهلا ويسيراً.
إذ أن تلك العملية في تلك المجتمعات والشعوب والأمم المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة، ونحن كأمة بشكل عام جزءا منها، تتصدى لها وتجابهها وتقف في طريق المستقبل، وذلك بغرض إفشالها ومن ثم تشويهها، حتى تمثل نموذجا سيئا لأي عملية تغييرية في المستقبل، هذه القوى، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
الأولى: قوى إجتماعية متخلفة وجاهلة، أفراد ومكونات مختلفة، والتي تعتبر من ذوي المصلحة الحقيقة في عملية التغيير تلك، متمثلا بالتعاطي السلبي معها، وذلك عبر عدم الاكتراث لها وعدم التعاطي الإيجابي معها، سواء في القول أو الفعل، بل قد تصل بها الحالة إلى مجابهة تلك العملية التغييرية، لعل أهمها وأخطرها، تلك التي تستغل العقائد الدينية وتستخدمها في سبيل إفشال تلك العملية… إلخ.
الثانية: القوى الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والشمولية، والمتحالفين معها في الداخل من ذوي المصلحة في استمرار الوضع على ما هو فيه وعليه، وذلك عبر استخدام كل الإمكانيات المتاحة لها، مادية كانت أم معنوية أم كليهما معا، في سبيل إفشالها لما لها من أثار ونتائج إيجابية تحدّ من سلطتها وتسلطها، بل قد يصل الأمر إلى التخلص منها وإزالتها… إلخ.
الثالثة: القوى الخارجية، المتحالفة مع تلك القوى الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والشمولية، والمتحالفين معها في الداخل، التي ترى بأن أيّ عملية تغييرية سوف تمثل خطراً على مصالحها، عبر دعمها ومساندتها والوقوف معها، قولا وسلوكا وعملا.
وقبل ذلك كله والأهم من كل ذلك، هناك وعي حقوقي سلبي متجذر في الوعي الفردي والوعي الجمعي الاجتماعي، ذلك الوعي السلبي نتيجة طبيعية وحتمية وانعكاسا حقيقيا وحتميا، لتلك الثقافة السلبية الموروثة وعبر قرون، والتي تعاملت مع الإنسان الفرد تعاملا سلبيا، عبر تجاهله وإلغاء دوره وسلطته، وذلك باعتباره تابعا ذليلا ومنقادا لسلطة، وتسلط تلك العصبيات الضيقة والمقيتة، تسيّره وفقا لأجندتها الخاصة التي تخدم مصالحها العصبية الضيقة والمقيتة، خاصة ذلك التأويل السيء للنصوص الدينية، التي تحدد العلاقة بين الإنسان الفرد وبينها، والتي استغلت من قبل تلك السلطات، في تجذير وتجذر تلك الثقافة الحقوقية السلبية وعبر قرون طويلة متتابعة ومتتالية في وعي الإنسان الفرد، ليتحول ويصير وعيا حقوقيا سلبيا، مما نتج عن ذلك وترتب عليه، بأن تحول وصار الإنسان الفرد إنسانا مقهورا ومهدورا من قبلها، فاقدا لذاته وذاتيته، وشاعرا بالدونية أمامها، وبالعجز التام حيالها، وبعدم القدرة على التصدي لها ومجابهتها في سبيل نيل حقوقه الإنسانية الطبيعية، بل الأخطر من ذلك، والأشد فتكاً به، هو أنه وصل إلى قناعة تامة بأن ليس له حقوق، مكتفيا بما تجود به عليه مِما تبقى من فتاتها ومخلفاتها، تكرما منها وتفضلا ومنّة تجاهه، لا حول له ولا قوة.
# غياب شبه تام للمنظومة القانونية التي تحدد تلك الحقوق وتفرضها وتقرها وتوجب الحصول عليها، وتعاقب من يمسّها أو يعرقلها أو يمنعها ويقف حجرة عثرة أمامها، وكذلك تغييب ما وجد منها وعدم تفعليها.
# غياب الوعي الحقوقي القانوني والثقافة الحقوقية القانونية، ليس لدى الفرد فقط، بل لدى الغالبية العظمى ممن تُسمي نفسها بـ” النخبة”.
#غياب الدور الإيحابي حيال ذلك، من قبل الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها من المكونات الأخرى للمجتمع.
إن تلك النخبة، “إذا ما أرادت بأن تكون تلك العملية ناجحة ومثمرة وتؤتي أكلها وتؤدي إلى تحقيق الأهداف والغايات النبيلة المرجوة منها، فما عليها إلا الإلمام المعرفي والواقعي ووفقا لمنهج علمي متبع في ذلك ببنية تلك القوى، ومعرفة مدى خطورتها على عملية التغيير تلك، وأماكن ضعفها، ومن ثم وضع التصور المناسب والآلية المناسبة لكيفية التصدي لها، ومواجهتها ومجابهتها ومن ثم التغلب عليها، على أن يكون ذلك التصور وتلك الآلية تصورا وآلية تتناسب وتتوافق وتتناغم مع تلك المرتكزات الأساسية، ممثلة بسماتها وخصائصها، وملمة بمظاهرها التي قامت عليها تلك العملية ووفقا لها… إلخ.
إن تلك العملية ليست سهلة وسريعة وبسيطة، لكنها عملية صعبة للغاية وشاقة، تحتاج إلى وقت طويل وطويل ولتضحيات جسيمة وعظيمة وعزيمة قوية وإرادة حديدية وصبر وثبات، وقبل ذلك كله إيمان قوي ويقين ثابت بحتمية صناعتها، لكنها ليست مستحيلةن وتلك عدم الاستحالة نتيجة سببين:
الأول: ما دام أن الحياة قائمة ومستمرة ومتجددة ومتطورة، وما دام الإنسان دائما ودوما تواقا إلى ماهو أفضل وأجمل وأحسن، وباحثا عما يوصله إلى ذلك كله، فإنها ليست بالمستحيلة
الثاني: ما دام أن هناك أفرادا ومجتمعات وشعوبا وأمما استطاعت الحصول على ذلك، وهي قائمة وموجودة، وكانت أكثر تخلفا وأكثر جهلا، فإنها ليست بالمستحيلة.
… يتبع.