طور السفاهة والتفاهة!
خاص “المدارنت”..
إننا نعيش اليوم، أزمة تكوين، تكوين بيئي/ بشري، انطلاقا من تطبيق مفهوم أن الإنسان ابن بيئته، وجب الذهاب لبيان أن البيئة البشرية قد مرت باطوار تكوينية عديدة متنوعة، آخذة في الجهد والاجتهاد نحو إصرار من الصبر والاستمرار، من أجل تحقيق أهدافها، الأمينة والامنة، من خلال بناء صرح الاستقرار والاستقامة، من أجل صنع انسان مستقيم، وبناء ابن يوافق البيئة التي ستصبغه بما حملته من خصائص تمنحها له، وتلبسه مما نسجته تلك البيئة من فضائل وقيم، تحلو بها الحياة على قواعد من الرضى والسعادة.
على هذا الاساس، عكست البيئات البشرية صورا ورسومات تلك الأطوار التكوينية، من حجرية أو جليدية، وظلامية هلامية، مما أخرج طبيعة بشرية تكوينية، فكانت ذات طابع من الغطرسة المستبدة، التي طغت على النفوس البشرية، على الرغم من قوة ما حققته الرسالات السماوية من وحي ونصوص الهية، فكان الحب والنصح والتسامح، مع شرط تنفيذ حدود ما انزل الله في خلقه، حيث وجود إنسانية الإنسان، مما أدى إلى أن عم الهدوء والانسجام والاستقرار، متجاوزا حدود البشرية العالمية.
وبهذا وجد طور التكوين المعرفي العقلي، تحقيقا لمنطق الاستقرار الوجداني، والاستقامة الروحية.
لم يدم ذلك الطور طويلا، إنما انحسر ثم انطفأ، كما أن مفهوم (الإنسان ابن بيئته) ايضا، ذهب مع الريح، واعدم، إذ راح الإنسان يتفلت من ذلك المفهوم، متوجها نحو تسريب مفاهيم جديدة تتحكم بالبيئة ذاتها، وتجيرها لصالحها، وتلك المفاهيم والأفكار كللتها صفات تتحلى بالكبر والتجبر والغطرسة، آخذة بالفساد والافساد، بالهدم والتخريب، واهمين أهل الخير والصلاح والإصلاح، انهم قد اضاعوا الحق، وضلوا طريق الاستقامة، وما عليهم إلا واجب اتباع من هم في المقدمة، (رؤساء، زعماء، مفتون…)، وواجبهم صعود ذلك القطار الذي صنعوه من أوهام انفسهم، ثم جعلوه حقيقة يضرب به المثل. فاستباحوا الكرامات، فسادا وطغيانا، متجاوزين حدود ما صبغتهم به تلك البيئة الصادقة، التي هي نتيجة خلق الله للعوالم والاكوان.
لقد كذبوا مؤثرات البيئة وعكسوها، أي قد جعلوا من أنفسهم محور الصبغة والتأثير، وقلبوا المفاهيم، فكانت النتيجة أن اخضعوا البيئة بكل مكوناتها إلى طبعهم وطبيعتهم، الخارقة المتجاوزة والهادمة لكل فضيلة وقيمة أخلاقية، جاعلين من أرواحهم العفنة النتنة، محور الكون، ومولدين من أنفسهم جوهر التأثر والتأثير، ومحولين البيئة رهينة قواعد فهمهم وتفكيرهم، الضال المضل، آخذين الزهو وعنجهية الكبر والتجبر، فيما قدموه من مفاهيم حديثة مستحدثة مستوردة. وهكذا تصدر مفهوم أن البيئة هي ابنة الانسان، صانعها وخالقها، وأي انسان؟! إنه ذلك الغبي الجاهل المتغطرس.
وهكذا، تلاحقت الأطوار التكوينية، للبيئة البشرية التي عكست ما تنتجه البشر من أعمال وأفعال وتصرفات، تدل على ما حمله البشر من طبائع قد طبيعتهم بها، فاحدثت واقعا منطقيا لما أفرزته مكنوناتهم والمعنوية منها والمادية، فحولت كل ما حولها وكل ما يتعلق بها إلى خلق طور تكويني جديد كاشف عما تحمله البشرية من أفكار ومشاعر واحاسيس، فكان طور السفاهة والتفاهة، الذي نحيا ونعيش.
وكان طور النظام العالمي الجديد، الذي أخذ على عاتقه تكوين أنظمة تتحلى بروحية عالية من العمالة والافساد، ضاربة بعرض الحائط مصالح شعوبها وكرامتهم، إضافة إلى عدم الأخذ بالرسالات السماوية، وما بلغته الرسل والانبياء. لقد نصب ،ذلك النظام العالمي، اغبياء البشرية، مسؤولية نشر الدين، (بكل أطيافه) فاحلوا ما حرم الله، كما جعل من الأغنياء وعبادي الذهب والاموال، رؤساء وزعماء، تنحني أمامهم هامات وكرامات الرجال من الفقراء والمحتاجين، فاتلفوا القوانين والدساتير، وسنوا قوانين تشبههم والزموها للعلن، وأعظمها تشريع النهب والسلب وتقديس الصفقات وشطارة الافقار والافساد، فاضاعوا الوطن تحت وطأة شقاء الشعوب وفتح أبواب السجون الابرياء.
إنه نظام التفاهة، إنه طور التافهين، الذين فسدوا وافسدوا، الذين قتلوا ودمروا، الذين.. حسموا مواقفهم، على مستوى كل الفلسفات والمفاهيم، وحسموا، ايضا، المعركة لصالحهم، فاخضعوا البيئة لنظرياتهم وايديولجياتهم. فانصاعت (البيئة) تلملم آهات الحزانى، وتجمع أشلاء جثث الأطفال والشيوخ من تحت الركام، وتحضن أنين الثكالى وعنين الجوعى المشردين….
لقد تغير الزمن، زماننا هذه الايام، زمن الحق والقيم، والسبب أن اؤلاءك التافهون قد امسكوا بكل شيء، وظهروا مدججين بكل فسادهم وتفاهتهم
فغيبوا واعدموا كل شيء، كل القيم، كل المبادىء والشعارات الراقية، وذهبوا بتفاهتهم إلى الإفساد والفساد المبرمج، ذوقا وقيما وادبا.
إنه طور الصعاليك الهابط، إذ كلما تعمق السفيه التافه، ابتذالا واسفافا، كلما ازداد شعبوية، وجماهيرية، وشهرة، اضافة لذلك، فقد نجحوا في تطويع مواقع التواصل لصالحهم، حيث صار بإمكان التافهين الفارغين أن يفرضوا أنفسهم على القادة المشاهير، وعلى رجال القدوة عبر التاريخ، من خلال منصات غوغاءية هلامية، ومن خلال افواه خاضعة ذليلة، تمدح وتبرر وتكذب، جراء برامج ومناهج تلفزيونية رخيصة، تشرى وتباع في سوق النخاسة.
إنه طور السفاهة والتفاهة.