عــلـــــــم الــــدلالــــــــــة..
خاص “المدارنت”..
يرتبط علم الدلالة بعلوم كثيرة، لا سيّما الفلسفة وعلم النفس والاجتماع وعلوم اللغة، كعلم الأصوات وعلم النحو وعلم الإشارة (السيميولوجيا)، وغيرها من العلوم الإنسانية التي تـُعنى بدراسة المعنى. فما هو موضوعه وتعريفه؟
قبل الدخول في تعريف علم الدلالة كمصطلح لا بد لنا من التعرف إلى معنى هذا المصطلح (الدلالة) من خلال المعاجم اللغوية. جاء في اللسان: دلّ فلان إذا هدى، والدالة من يُدِلّ على من له عنده منزلة شبه جراءة منه، والدليل، والدليلي: الذي يدلك. وفي القاموس المحيط للفيروز أبادي”.. والدالة ما تدلّ به على حميمك، ودلّه عليه دَلالة، دِلالة و دُلولة. فاندلّ: سدد إليه. والدال كالهدي . خلاصة ذلك أن دلّ يعني: هدى وسدد وأرشد. وعلى هذين المعجمين اعتمد أهل اللغة في فهم وشرح وتحديد مصطلح الدلالة .
وبما أن القرآن الكريم، هو منبع فصاحة اللغة وبلاغتها وتعبيرها، فلا بد من الاطلاع على معنى (الدلالة) فيه. فقد وردت هذه الكلمة في أكثر من موضع منها:
- “فدلّاهُما بغرور فلمّا ذاقا الشجرة بدتْ لهما سَوْآتهما “، الأعراف الآية 22
- “قال يا آدم هل أدلكَ على شجرة الخلد وملك لا يبلى”، طه الآية 120
- ” هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه “القصص الآية 12
- ” هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مُزقتم كل مُمزقٍ”سبأ الآية 7
- ” يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ” الصف الآية 10
نلحظ أن (دلّ) هنا تعني الإشارة إلى الشيء (الشجرة، أهل بيت، رجل، تجارة) ما سيؤكد لاحقا تماهيه مع المصطلح العلمي الحديث للدلالة، الذي لا يخرج عن الإشارة والإرشاد والرمز. فما هو مصطلح علم الدلالة؟
نشأ الخلاف بين علماء اللغة المحدثين انطلاقا من محاولتهم مقابلة مصطلح “السمانتيك”، الذي عرفه (ميشيل بريال) اللساني الفرنسي، على أنه علم يهتم بجوهر الكلمات في حالاتها الافرادية المعجمية، وفي حالاتها التركيبية السياقية (1)، أي دراسة المعنى التي تحمله الكلمة معجميا وهي مستقلة، والمعاني التي يمكن أن تحملها وفقا للسياق النصي التي تنتمي إليه، من هنا آثر بعض علماء اللغة استعمال مصطلح المعنى، مقابلا لـ”السمانتيك“، بينما رأى آخرون أن الأقرب هو كلمة الدلالة، كون هذا المصلح في اشتقاقاته الواسعة (الدلالة، الدال، المدلول، الدلالات، الدلالي)، وغيرها، يرتبط بالرموز اللغوية وغير اللغوية، بينما مصطلح المعنى فلا يعني إلا اللفظ اللغوي، من هنا أطلق العلماء عدة تسميات لهذا العلم كـ”علم الدلالة”، “علم المعنى”، “دلالة الألفاظ”، أو “علم المعاني”. ولكن استقر رأي علماء اللغة المحدثين على إطلاق تسمية “علم الدلالة” على هذا المصطلح، كمرادف لـ”السمانتيك”. فما هو موضوع “علم الدلالة”؟
لقد كانت الدراسات المتعلقة بالمعنى قديما، تبحث في المعنى المعجمي للمفردات، وتطورها، ومنها ينطلق البحث في معاني الجمل والأسلوب، أما اليوم، فقد توسع مفهوم الدلالة، ليبحث في العلامات أو الإشارات أو الرموز التي تؤديها المفردات في النصوص اللغوية، أي الكلام، فخلق علاقة خاصة بين اللفظ والمعنى، الدال والمدلول، يفهمها مستعملو هذه الألفاظ فيما بينهم، وخلق تنوعًا في المعنى، وفاقَ السياق الذي يحتوي هذه المفردة، ويخدم غاية الإبلاغ والتواصل لدى المتكلم. هذا بالنسبة للرموز اللغوية. أما بالنسبة للرموز غير اللغوية – فالدلالة، هي الإشارة إلى أي شيء كما جاء في التعريف –
فإن كل شيء يقوم بدور العلامة والرمز، وليس فقط الألفاظ. نجد مثلا إشارات المرور على الطرقات، لها دلالة معينة، أو إشارات اليد أو الرأس، أيضا لها دلالتها، كحمرة الوجه للخجل والتصفيق للاستحسان، أو علامات الترقيم ووظائفها التعبيرية، أو كرمز الميزان للعدالة وغيرها. وعلى الرغم من اهتمام علم الدلالة بدراسة شتى أنواع الرموز، فإنه اهتم بالرموز اللغوية، كونها الأهم بالنسبة للإنسان محور الوجود وصاحب اللسان.
خلاصة القول، إن علم الدلالة، وإن شمل في دراسته كل شيء، لكنه في نهاية المطاف اهتم باللغة الإنسانية، وعلاماتها وإشاراتها ورموزها، من خلال دراسة المفردات ومرونتها في حمل عدة معان، يفرضها سياق النصّ، لتؤدي وظيفتها في ابلاغ وإيصال المعنى المُراد عند المتكلّم.
————————————-
1 / صالح بن محمد الصعب ، الفرق بين الدلالة والمعنى ، ssaab.wor dpress.com