عقد الزواج المؤسسة الإنسانية الاولى.. الجزء (2)

خاص “المدارنت”
مما لا شك فيه ان الخالق العظيم قد خلق الإنسانية من نفس واحدة ، وقد تمثل ذلك بالإنسان الأول، وهو ادم عليه السلام، ومنه تسلسل البشر وسائر الناس بالتوالد بعد خلق حواء، وجراء تزاوج ادم وحواء وُجدت أول مؤسسة إنسانية تمثلت بمؤسسة الزواج وكان الإنشاء الإلهي، آيات بينات على قدرة الخالق وعلى علمه وحكمته ووحدانيته.
هذا الأمر في الخلق والتكوين والانشاء، فرض وجوبا الشكر والحمد لنعم الله، ثم فرض ايضا التمسك بارشاده وتشريعه تعالى ،أمرا ونهيا ،مع ضرورة تحقق التعارف والتعاون بين البشر عامة، لقوله تعالى: “يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، أن اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير”. الحجرات/13.
وعليه فالناس متساوون في عملية الخلق، كما أن جميعهم من اصل واحد ، ثم تكاثروا جموعا عظيمة، وقبائل متعددة، كي يتم التعارف والتعاون، وأن تباعدت ديارهم واوطانهم، وايضا، إن تباينت عباداتهم، واختلفت لغاتهم واجناسهم. لقوله تعالى: “ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم والوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين”الروم/22.
هذا هو الأساس الذي بيّن أن الناس تعيش مع بعضها البعض، حياة مشتركة جراء ما تكنه من روابط وثيقة وصلات متينة متداخلة في المعاملات والتفاعلات والتي لا يمكن الاستغناء عنها، إذ ليس بالهين والميسور أن يحيا الإنسان منفردا ومنعزلا عن الآخرين، لأن الطبيعة البشرية تحتم على الإنسان الاندماج بالآخرين والاختلاط بهم والاستعانة بذوي الخبرة والاسترشاد بالعالمين الناصحين . وجوهر الإنسان انه بالفطرة، كائن اجتماعي.
انطلاقا من هذا المنطق تتشكل المؤسسات، بدء بالأسرة ثم المجتمع، جراء وجود افراد متلاحمة التفاعل والتعامل، وتربطهم وحدة الاهداف والمصالح، وتشدهم علاقات متبادلة ومصالح مشتركة. فالمؤسسة، كمنظومة اجتماعية، وبصورتها العامة هي بنية ذاتية التكامل، تترابط مكوناتها وعناصرها، ترابطا وظيفيا محكما، يقوم على أسس من التفاعل الحيوي المستمر، وتندفع ساعية نحو تحقيق أهدافها الأساسية والثانوية، إذ أنها تتلازم مع حالات التغيير، كونها في ديمومة الأخذ والرد، لأنها محكومة بالزيادة والنقصان
والسبب هو الحفاظ على وجودها واستمرار بقاءها كمؤسسة، جراء تواصل وتفاعل عناصرها المؤلفة منها.
وهكذا يعتبر الفرد محور شبكة من العلاقات والروابط التي تنسج حياة الفرد والمجتمع نسيجا متداخل الأصول والفروع مكونا المؤسسة صاحبة المصالح والأهداف المشتركة، مع الإشارة إلى أن ذلك الفرد مرتبط بعدد لا حصر له بغيره من الأفراد الذين بدورهم مرتبطون به. ومما لا شك فيه أن ذلك الترابط والتفاعل بين اؤلاءك الأفراد، كاعضاء مؤسسة، ينتج عنه علاقات انفعالية مؤثرة، سببه الاختلاف في قوى ما يحمله ويمتلكه ذلك الفرد من أنشطة ذاتية، كما ونوعا.
من جهة ثانية، فإن وحدة أهداف المؤسسة، لا تتحقق إلا عن طريق الاهتمامات المشتركة لدى جميع عناصر مكوزاتها، بدء من التخطيط والتنظيم والاهداف، انطلاقا من السياسات العامة لتلك المؤسسة، ونلحظ إلى عدم وجوب الفرض في العمل والتطبيق، لأنه مع العمل يبدأ التفاعل والتعامل بين مختلف الافراد، فيفهمون ويتفاهمون ويتعلمون ويعلمون لتحقيق الاهداف التي تهم الجميع، من حيث أن كل فرد يشعر بأنه معني ومسؤول ومستفيد، فيعم الانتفاع الجماعي وتندمج الجهود ببعضها البعض.
ينطلق الإسلام من الفرد كجوهر اجتماعي، فما هي مظاهر التكريم الإلهي لذلك المخلوق المجهول؟ لقد كرم الله تعالى الإنسان منذ أن نفخ فيه من روحه وامر الملائكة له بالسجود، ثم استخلفه الأرض، ثم أرسل اليه الرسل و الانبياء مبشرين منذرين بناء لقوله تعالى: “وإذ قال ربك للملاءكة إني جاعل في الأرض خليفة..”. البقرة/30، وقوله تعالى: “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين”. ص/72.
إذن والكرامة تمثل محور التكريم الإلهي للانسان كما هي دليل ثبات الإنسانية وعلاءقها التطبيقية في الاسلام، ثم بيان ما تتميز به من أصول وحكم، كونها الأساس الأخلاقي والمغزى المعنوي لها. فالكرامة والتكريم دليل الإيمان بقيمة الفرد، كانسان، والاعتراف بشخصيته الذاتية المستقلة، ومن جهة ثانية، وجوب التعامل معه باحترام وتقدير. هذا الاعتراف مع ما يمتلكه الإنسان من كرامة وحرية تدفعانه للاستمرار والمتابعة في تحقيق أهدافه ضمن حدود مسؤوليته، يعني أن الإنسان مكرم حر، لكنه مقيد عند كرامة وحرية الاخرين
وهكذا دواليك حتي تستقيم الإنسانية عند أهلها. وهنا نلفت النظر إلى أن تلك المحافظة المتبادلة، لا تقع على الآخرين من الأفراد فقط، إنما تنطلق من مسؤولية الفرد، لذاته واحترامه لها، ثم واجب تنمية شخصيته وتحسين أداء عمله على أكمل وجه، دون الوقوع بالاهمال والتقصير والأخطاء، حتى لا يتعرض للوم أو التانيب أو التأديب. وعليه، نبين حرص الرسول (ص) على بناء الإنسان مع بداية تأسيس المؤسسة الاسلامية، ثم إقامة دولة الإسلام في المدينة المنورة، حيث ركز (ص) جل اهتمامه على جوهر الضمير الأخلاقي والقيمي. لقوله (ص): “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. باب الايمان،/13.
إن المصادر الحقة تؤكد أن الإسلام هو المشرب الجوهر الذي تكمن فيه الإنسانية، لأنه كتشريع سماوي، قد حدد للانسان المبادئ والأصول ورسم خارطة الطريق التي من خلالها يسمو الإنسان بنفسه، كما وتحلق كرامته وحريته فضاء الكرامات، مما يمكنه العيش الكريم ضمن مجتمع تسوده الفضيلة والعدالة والإخاء. فالإنسان بنظر الإسلام مخلوق مميز مكرم، ويبقى هكذا، ما لم يقترف من الاثام والأخطاء والمعاصي، تودي به إلى المذلة والاهانة، والتي هي نتيجة أعماله وتصرفاته. إذ علينا الا ننسى قوله تعالى: “أن اكرمكم عند الله اتقاكم “. الحجرات/13.
نبين اهم مظاهر التكريم الإلهي
* استخلاف الإنسان الأرض
يعني، أن جعل الله الإنسان خليفته في الارض، وهياه لذلك فوهبه العقل والعلم معا كقوى ذاتية اصيلة تمكنه من تحقيق أهداف ذلك الاستخلاف، الذي هو منزلة تعلو مراتب الملائكة. لقوله تعالى: “وإذ قال ربك للملاءكة إني جاعل في الأرض خليفة..”. 30–33.
* خلق الله الإنسان في أحسن تقويم. بالخِلقة والخُلقة الحسنة. لقوله تعالى: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم “. التين/ 4.
* ميّز الله تعالى الإنسان بالعنصر الروحي الذي هو قبس من نور الله تعالى، والذي من خلاله استحق الإنسان أن تنحني له الملائكة، اجلالا واكبارا. لقوله تعالى: “.. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين”. ص/71–72.
إضافة إلى ذلك فقد فضله على كثير ممن خلق، لقوله تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم.. وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”. السراء/ 70.
امام صور هذا التكريم الإلهي للانسان، وجب على كل عاقل مسؤول أن يأخذ به ويحققه في كل ما هو مسؤول عليه ،لأنه يمثل عنصر إنسانيته ويكوٍن جزء من المؤسسة التي ينتمي إليها، فعليه ضرورة العمل على تحقيق أهداف انتاجيتها على كافة المستويات العلمية والعملية على السواء. من هنا وجب الاهتمام بمشاعر الإنسان وميوله وتحقق المعاملة الحسنة المتبادلة، التي تعكس إيجابا على أي نوع من أنواع الأداء العملي في أي موقع من المسؤولية.
على هذا الأساس تبرز نظرة الإسلام الإنسانية، كدعوة عمل تطبيقي، كعملية تسمو بها الرفعة والاحكام الأخلاقية، كي يجعل من الحياة الإنسانية هدفا وغاية، من أجل خلق التوازن والتكامل الداخلي لكل فرد انساني تفرد بعمله، ومن ثم واجب التوازن والتكامل الخارجي مع غيره من عاملين ومسؤولين، لذلك نجد النظرة الإسلامية الإنسانية، أنها نظرة شاملة متكاملة لدى جميع عناصر المؤسسة، من حيث ضرورة تعميق المفاهيم الإنسانية الحضارية، وترسيخ المعارف العلمية في كل ما يتعلق بالطبيعة البشرية، ثم اتباع انسب الوسائل للتعامل والتفاعل مع الأفراد، من عدالة وحق، مع التأكيد على فهم واسع ودراية عميقة، مما يجعل الآخرين يشعرون باهميتهم كادميين ،ويحسون بوجودهم وقيمهم ومكانتهم، كما ويدفع ويسهم بالإحساس الكبير للانتماء الكلي والفعلي إلى تلك المؤسسة التي يعمل تحت ظلالها. كل ذلك إنما يعزز لدى الجماعة قيم التعاون والعطف والتراحم والمحبة.
لا شك أن الإنسانية وعلاقاتها تتلازم مع الاسلام، وهذا يماثل مقولة: لا حياة للاجسام إلا بالأرواح، وكذلك، لا حياة ولا منفعة للاعمال، على اختلاف انواعها، إلا بالثقة المتبادلة والتي من خلالها نحصد النجاحات الحضارية، وننعم بالاستقرار والاطمئنان. فالإسلام نظم الإنسانية وعلاقاتها، وحدد أنماط السلوك السوي، فدعا إلى التاخي والعدل والصدق والإخلاص في العمل، وايضا دعا إلى البر والإحسان، إلى الصبر والوفاء، إلى النصح والايثار وقضاء الحوائج.. الخ، أنها الطريق المعبدة التي تنظم الأمور الدينية والدنيوية، وتنجز الشؤون المعيشية، وتستقيم الأعمال، وتؤدى المصالح على أحسن حال.
هكذا تستقيم الإنسانية عند أهلها، فإذا انعدمت يذهب الاطمئنان، ويتحول الفرد شبح يخافه الآخرون ويتعرى من كل ايمان، فلا يؤتمن من لا ايمان له، ومن لا ايمان له يتجاوز إنسانيته، فيعتدي ويسرق وينتهك الاعراض ويذيع الاسرار ويخون العهد والمواثيق. فتتحول المؤسسة إلى فساد وافساد، وتنحل المجتمعات وتذهب الأوطان والأمم.