عندما تتحوّل الأطباق الشعبية إلى أزمة سياسية
خاص “المدارنت”..
لا يخفى على أحد، وبخاصة عشاق الأطعمة والمطابخ، أن المعجنات الإيطالية (la pasta) تتنوع في الشكل والطعم من مقاطعة الى أخرى في هذا البلد الساحر.
كل مقاطعة او محافظة او ضاحية، تعتزّ وتفتخر بصحنها الخاص، إن في الطعم، أو الشكل أو طريقة التحضير، وعادة، يقرن اسم الطبق بالمدينة الأكبر في كل مقاطعة.
آل “تورتيليني بولونيزي” (tortellini bolognesi)، الطبق الأكثر شهرة في بولونيا (Bologna) عاصمة محافظة ايميليا رومانيا (Emila Romagna ). ناهيك عن طعمه اللذيذ، وذلك بشهادة واعتراف غالبية سكان القارة القديمة، كان قد تحوّل إلى تجاذب سياسي بين يسار ويمين حيناً، وبين أحبار كنائس وماتيو سالفيني ومعه الشعوبيين الجدد حيناً آخراً، وزير الداخلية الأسبق، الذي لم يهضم حتى اليوم خسارته في توقعاته ورهانه على إسقاط الحكومة السابقة، ليصل برابطة الشمال (حزبه) الى الاستقلال عن “حزب الخمس نجوم” لقيادة ايطاليا، متوقعاً إنتخابات جديدة.
ولكن اليسار الإيطالي، استغلَّ الفرصة، وسارع الى التحالف مع الخمس نجوم، فشُكِّلت الحكومة الجديدة، فكان ماتيو سالفيني الخاسر الوحيد.
مرارة الخسارة في اللعبة السياسية، أخذت تدفع بماتيو سالفيني الى التخبّط في تصريحاته ومواقفه يومياً ،منذ سقوط الحكومة السابقة، وكانت قصة التورتيليني البولونية آخر كبوة لفرسه، فبعد أن اعتمد حاكم مدينة بولونيا، وتحت رغبة أساقفة المقاطعة بتعديل حشوة التورتيليني ،التي كانت تحضّر من أنواع عدة من اللحوم، حيث الجزء الأكبر منها هو من لحم الخنزير، الى حشوة من لحوم الطيور، مراعاة لمن لا تسمح لهم معتقداتهم بتناول لحم الخنزير، وأطلقوا عليها اسم “تورتيليني الترحيب بالآخر”، وذلك تحضيراً لمشاركة الجميع في احتفال بولونيا الديني الخاص بأحد قدّيسيها.
فما كان من ماتيو سالفيني، إلا أن أقام الطناجر ولم يقعدها، معتبراً الأمر صفعة لتراث إيطاليا ورموزها المطبخية.
هي السياسة وغرابتها، عندما تعجز عن تقديم الحلول لمشكلات الناس الحياتية والحيوية، حيث ان إيطاليا اليوم، تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ولا انفراج في الأفق.
هم السياسيون الجدد وخبرتهم الهزلية في الإدارة والتغيير. هو مستوى الوعي السياسي، الثقافي والاجتماعي للعامة، ما يدفع بأمثال ماتيو سالفيني حالياً او سيلفيو برلسكوني سابقاً، للوصول إلى مراكز السلطة، فتكون أحاديث الناس على مدار الأسبوع في حشوة التورتيليني بين مؤيد وممانع.
إيطاليا، هذا البلد الذي قد ينفجر يوماً من روعة وجمال حشوته التاريخية، يستحق رجالات تعرف تذوّق الكلام قبل تذوّق الأطعمة.